كتب توفيق يوسف عواد روايته «الرغيف» سنة 1939 مصوّراً مجاعة الحرب العالمية الأولى وما تخلل تلك الحرب من أهوال طالت العالم أجمع بما فيه لبنان الذي لم يكن يومذاك مستقلاً وإنما كان حائراً بين وبين..
يوم قرأنا الرواية منذ عقود قلنا ان الكاتب يهوّل ويضيف الكثير من البهار على سرده ومشهدياته ليعطي طعماً لنتاجه إذ لا يُمكن أن تكون الأمور يومذاك حدثت كما صوّرها في روايته.
نتذكّر الآن رواية «الرغيف» ولبنان «المستقل» يعيش أزمته التي لا نعلم في أي درجة من سلّمها، وتحضر أمام ناظرينا مشاهد تجعلنا نقترب من تصديق ما كتب توفيق يوسف عواد.
فهذه المناظر المرعبة حول مستوعبات القمامة والتجمعات حولها ما بين صبية ورجال ونساء يبحثون في أكوام القمامة عمّا هو صالح للأكل كما يظنون معتبرين ان ما يصطادونه غنيمة دسمة تردّ عنهم وعن عائلاتهم غائلة الجوع الذي تكلم عنه عواد في مجاعة الحرب العالمية الأولى.
ويزيد من الهول ما يحدث داخل المنازل الآمنة للناس الطيبين الذين لم يرتكبوا ذنباً يحاسبون عليه.
فذلك الحائر كيف يستدين ثمن قارورة الغاز التي فرغت مثيلتها والأم عاجزة عن عمل شيء.. فلا نار إلا نار غضبها.
والآخر الحائر في كيفية تدبير ثمن اللائحة من الأطعمة التي طلبتها شريكته لتأمين قوت العائلة.
وثالث يكاد أن يصاب بذبحة قلبية وهو يعيش الإذلال خلال طلبه الاستدانة ممن لا يملك كي يسدد قيمة اشتراك الكهرباء لقبضاي الحي.
ورابع لا يملك إلا قيمة أجرة الانتقال إلى عمله ولا يملك قيمة أجرة العودة إلى منزله.
أنواع مختلفة من الحالات.. كلها تصبُّ في خانة «الجوع» الذي كتب عنه عواد.
يحدث ذلك في القرن الواحد والعشرين تحت أنظار حكّام لا يحكمون وتجار لا يرحمون وتجار موت لا يشبعون.. وأصحاب مستودعات أدوية لا يرتوون..
كل من له يد في إذلال هذا الشعب الطيب يجب أن يدفع الثمن ليس فقط جوعه.. بل أكثر من ذلك..
وحكماً بتنا نصدّق ما كتب توفيق يوسف عواد.