بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 آب 2019 12:03ص ثروتنا أدمغتنا..

حجم الخط
لا تقوم الأمة، ولا تزدهر فيها أسباب التقدّم والرقي، إلّا إذا ازدهرت زراعتها، وبُنيت شؤونها الاقتصادية على أسس متينة راسخة، من الخبرة العلمية الدقيقة الوثيقة، المستمدّة من روح التجربة، ومن صميم التعاون الاجتماعي النزيه.

ولقد أثبتت الأيام، ان كل حكومة تلتفت إلى اقتصادياتها وتهتم بمواردها الطبيعية، وتصدّر مصنوعاتها ونتاج أراضيها، تبلغ ما تتوخّاه من وراء سعيها، وتوفّر لرعيتها السعة والعيش الرغيد. أما الحكومة المنصرفة عن الاقتصاد إلى سياسة الزواريب والهدر والثرثرات، فبشّرها بالاخفاق الذريع. فالاقتصاد مهماز الفلاح، ومفتاح النجاح، وشعار الثروة القومية، والحرية الوطنية، وكل استقلال سياسي (فعلي فاعل!)، لا يدعمه استقلال اقتصادي، إنما هو ظلٌّ من العزّ الباطل والمجد الزائل.

أجل، ان الأوطان تفتقر إلى سياسيين محنّكين، ولكن ينبغي أن يكونوا خلصاء متضلعين من فنون الزراعة والاقتصاد والتقنيات الحديثة.

على هذه الأسس من البنى التحتية أيضاً تنبت زهور الرخاء، وتنمو غراس الكرامة النفسية والعزّة الوطنية.

الحكومات الرشيدة تختار لشؤونها المالية والاقتصادية والزراعية، رجالاً اكفياء مجربين، يفهمون كل شاردة وواردة من هذه الشؤون، ويحيطون بأمور الدولة ورغبات الشعب إحاطة شاملة، ويتحلّون بالصدق والجرأة والصراحة واحترام الذات، ويستمدّون من وطنيتهم وثقة الأمة بهم، قوة تمكّنهم من عقد معاهدات تجارية تعود على وطنهم بالنفع الصميم والخير العظيم.

ولكنّ ما يؤسف له عموماً في بلادنا، هو الإهمال للواجب الوطني وتفكك في الروابط القومية واعراض عن العمل المثمر. فهناك مسؤولون لا يسألون يتولون ما لا يحسنون، وأمسينا لذلك قلما نعتمد على أنفسنا في كل شيء بل يتمادى كبارنا قبل الصغار في التكاسل والهدر والارتهان. لذلك، أدعو شبابنا الصاعد (فعلاً!) أن يتجلّوا فقراء إلى الحق فقط وإلى العدل وإلى الحب. فهذه هي كل الوجود، فلينسوا فساد مَن سبقهم الذين لم يستأصلوه لأنهم خشوا بعضهم بعضاً وخشوا أن تكال لهم التهم وأن تتهاوى أصنامهم. ادعوهم إلى عدم العيش اشباحاً كما عاش الذين أحبّوا بلاغة الكذب وآثروا اهتراء الوطن ليسلموا هم في خداع أنفسهم.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه