بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 كانون الثاني 2021 12:00ص حالات التلاشي مع الضوء أثناء الرسم في أعمال الفنان الفرنسي أوجين لوروا

من أعماله من أعماله
حجم الخط
يراوغ الفنان الفرنسي «أوجين لوروا» (Eugene Leroy) في الحركة اللونية الداخلية، لاستخراج الغوامض الحسية الناتجة عن رتابة بصرية هي كشف عن عناصر حياتية مدفونة بين الخطوط، وبتوازن مرتبط بالمشاعر القوية التي تفرض حساسية على المعنى الجمالي المنسجم مع سماكة المادة وغوامضها الأساسية، وفق الأشكال المختلفة التي تتراءى من خلف الألوان، لإضفاء حالات التلاشي مع الضوء أثناء الرسم، وبتقارب بين الدرجات اللونية للتخفيف من حدّة البصر، ببصمة تثير الكثير من التساؤلات الفنية ذات الانعكاسات الهشّة المثيرة لحالات اضطراب هادئة، وهي نوع من التسامي الفني على الأزمات النفسية الداخلية التي تولد تعبيرات مبطنة تفاجئ الوعي بحركات تترجمها الألوان، وتدفعنا نحو العمق الأبدي أو أزلية الفن في تحقيق الخلود الذي يبحث عنه الفنان، ليبقى متواجدا رغم التغيّرات الزمنية الذي يفرضها الموت الذي يمثل في لوحات أوجين فلسفة لتصوير العصور الزمنية وغموضها بشكل فلسفي فني يميل الى خلق المشهد الذي يضاعف من قيمة الحركة التي تعجّ بخلفيات يستحضرها من الذاكرة الطفولية التي تطارده في أعماله. فهل هاجس الخلود يهاجم الفنان أثناء الرسم في محاولات للإبقاء على الحياة ضمن لوحة؟

نسج الفنان «أوجين لوروا» الروابط البصرية بين الجمال والخلود الفني، بتزامن بين الضوء والفراغات، للكشف عن ما هو زائف وحقيقي، وبين ما هو موجود في الجوهر ومحصور في المادة، واشراقاتها التي تتوهج مع المعاني الحركية للألوان غير المرئية في صيغة جمالية يستحضرها، ليتخطّى من خلالها كل ما هو سريع الزوال في الحياة، وكأنه يبحث عن ذاته بين تفاصيل رسوماته وازدواجيتها، وبين ما هو عقلاني وما هو روحاني، وان ضمن اللون وشفافية تلاشيه مع بعضه البعض أثناء الحركة اللاواعية لريشة تبحث عن ترجمة فنية لكل التساؤلات النفسية التي تراودنا عن الحياة والموت أو عن الوجود والصراع مع الذات المتمثل في ريشة توحي ضرباتها بالتمسّك بحقيقة الحياة الماورائية، واستمرارية الروح في الأشياء من حولنا، كما في الطبيعة والضوء حيث تتشكّل الفراغات التي تعطينا نوعا من الاستراحات الجمالية بين الحين والآخر. فهل من خبث في الفن لتحقيق الخلود فيه من خلال الريشة؟ وهل يدرك الفنان قيمة فناء المادة لخلق جوهر الضوء؟ أم أن اوجين لوروا جمع بين الروحانية والعقلانية بحسّ فني متنافر منسجم في آن، وضمن الخصائص اللونية الباردة والحارة، وقدرتها على سبر أغوار النفس لاستخراج التعبيرات الناجمة عن أحلام وهواجس، وعن الإيمان الموروث بالتغيّرات في الحيوات التي يسلكها البشر وما زال يجهل كنهها الإنسان، كما في التجريد والتعبير، وحتى العبارات البصرية القادرة على خلق علامات استفهام حول حقيقة الحياة ودلالتها، وان باستعارات ذهنية تحفظ بتعرّجاتها قوة عاطفية مصدرها الألوان والمسافات والفواصل والضوء، بالأحرى الايحاءات الفلسفية في لوحة وجودية تصارع الموت والفناء.

نلمس في لوحات «أوجين لوروا» حساسية ضوئية شديدة، وبتوازي مع فراغات تمثل المنطق الفني، وطبيعة التطوّر الحسي في الرسم بقوة تختلف من خلالها طبيعة التشابه في بعض التفاصيل التي تشير إلى معنى الخلود الفني الذي يشدد عليه لوروا، وضمن طبيعة التعبيرات المبطّنة، والمتذبذبة بين الحركة واتجاهات اللون، مما يعكس مفهوم الحاضر والغائب، والموت والحياة والبقاء والزوال، وضمن مفردات فنية ترسمها ريشة تبحث عن التكوين الجمالي وإزدواجية الحياة. فهل يبحث الفنان عن الخلود من خلال الفن؟