بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 آب 2018 12:02ص حالتنا العربية والحواجز التي تقف في نموها العقلي وازدهارها المعرفي

قراءة في ديوان الشاعر سرجون كرم «سندس وسكين في حديقة الخليفة»

حجم الخط
     
بدأ الشاعر «سرجون كرم» ديوانه «سندس وسكين في حديقة الخليفة» بالامةذات الديانات السماوية  واوجاعها القائمة على الحشو النفسي، فشكواه ناتجة عن انصاف لا حلول لها، فما بين النصف المجرم والنصف الحجر تعطلت اللغة الانسانية في حضارة تعتمد على ما هو مسند وبتواتر عن فلان عن فلان، وعلى ماهية الجهل بسلالة الانسان او بالاحرى بالأب الاول ابراهيم، وهو ابو الانبياء بتبطين يتقد منه الماضي الحديث او الذي يتم تحديثه على اسس لا يمكن الوثوق بها، لانها تفتقر الى المنطق او الى اعادة تصحيح، كأننا نعيش الجهل في مستقبل تنقلب فيه الوصايا الى شظايا قاتلة للانسان، وتختلط فيه الاديان التي اعادها الى ابراهيم برمزية توثيقية ذات دلالة معرفية بالاسس الدينية التي تقوم عليها امة «سرجون كرم» الانتصافية الغير قابلة لتنبت او تثمر بعد ان قطعها الى نصفين، كحبة قمح ان شطرناها الى نصفين تعطلت صلاحيتها واصبحت غير قابلة للزراعة او لتثمر. بالتالي هي امة عقيم نصفها مجرم ونصفها حجر. فهل ثرثرات فلان عن فلان هي اخبار الماضي المنقول الخالي من المنطق؟  ام هي  ميثولوجية يصعب رسمها او تحتاج الى رؤية بحثية تعالج تصحيح امة اصبحت  كعجوزعقيم؟..
تعكس كلمات الشاعر «سرجون كرم» حالتنا العربية والحواجز التي تقف في نموها العقلي وازدهارها المعرفي. لانها تفتقر الى البصيرة او الرؤية الناتجة عن التفكر الخالي من ملوثات الزمن وحكاياه التاريخية.  ليحث النفس على توضيح الخفايا، بايجاز شعري يميل الى الرمزية التي تحتاج الى قارىء لتاريخ الاديان، وخفايا النوايا الانسانية الممسكة بكتبها التكفيرية التي جعلت من ابراهيم ارهابيا، وهو من ولد من نسله ابناء مكة واورشليم، مستبدلا التكوين بالتوحيد. ليجمع ما فرقته ظلمة الجهل بلغة ضاعف بها صورة العوائق الذاتية، الكامنة في الجهل بالاديان السماوية عبر تورية تحتاج الى تفكر وبحث. اذ لا يمكن التغافل  عن كلمة الشرك التي انفرد بها دون الضد المؤكد. لنفيها تاركا لمن اراد النوم العجز الايماني بينما اشعل نوره بكتابته لديوان «سندس وسكين في حديقة الخليفة» حيث يضعنا في كتب التاريخ بين المغول وهمجية الاحداث القاتلة التي تفتك بالانسان، وبين الطوفان ويومه الاول حيث يعم السلام. «اجلس مثل  كل رجل يشرب القهوة على رصيف نصف دائري  اقتلع نصفه الآخر ورماه لمغول يقتاتون  منه قبل ان يبدأ  البحر تأتأة النهاية».
الانسان عدو ما يجهل والنعمة في الجهل تؤدي رسالات شيطانية تطمس الحقائق ولايشفى الضرير منها، فالمعجزات في زمان انتهى تشبه علم التنجيم المؤدي على عبثية لا بداية ولا نهاية لها. لينهي «سرجون كرم» القصيدة الاولى بالشىء اليسير من الموت والامل والحزن  قبل دخوله جرمانيا التي جرد اسمها من التحديث المهلك لامته الخارج منها بالموت الذي يقود الى الامل بحياة لا تدليس ولا خرافات. فهل الامل في جرمانيا ؟ ام اننا نحتاج لعاصفة هتليرية تعيد تجديد العالم؟..
يتوجه «سرجون كرم في قصيدة جرمانيا»  الى الله الى الحقيقة المطلقة في نفسه الى المعرفة التي جعلته يحيا الغربة الحقيقة الموجعة للانسان الباحث عن الانسانية، والمحب الى العودة الخالية من الشوائب، بتجديد لتصورات تفاوتت قيمتها.  ليستحيل الاختزال الى تدفق موضوعي يعطي المصطلحات قوة شعرية تخدم المعنى الانساني الذي يزرعه في ديوان حافظ على حبكته في البناء المضمخ  بالقضايا الجدلية،  المؤدية الى صراعات عقيمة ومعطيات تصحح الرؤى الخاطئة.  لتاريخ يجب ان يكتب بالشعر لتعصف القوى العقلانية النافية للشفقة والتي تحث على البحث والتطلع الى المستقبل المشرق للانسان، وللانفعالات المرتبطة باشكاليات البلاد او جرمانيا التي بدأقصيدتها باسم الاشارة للدلالة بقوة عن كينوتها،  كبلاد علم مبنية على  تعلم الانسانية «هذه البلاد علمتني الانسانية، وقتلت في الشفقة» فقد استطاعت هذه البلاد تغيير المفاهيم التكوينية التي نشأت فيه كأنها قطرة ماء مشبعة بالحياة «هذه البلاد علمتني ان الماء يغير شكل الاشكال» محاولا بناء صورة نموذجية عن البلاد القادرة على تكوين الانسان تبعا لاشكاليات شعرية تنطق بالرؤية التصحيحية لمساره، كشاعر يتتبع الضوء كنبي  تلقى رسالة مشطورة الى نصفين، ولم يستطع نسيان الماضي ولا العودة الى الوراء، فالمضي الى الامام يحتاج الى تحطيم المفهوم القابع في هموم الذكريات، وبتذبذب يقفز بعده الى ما بعد الزمن والزمن الذي يليه لان البلاد علمته الترجل» هذه البلاد علمتني الترجل في المحطة  ما بعد الاخيرة. فهل للشاعر نبوءة مستقبلية ناتجة عن العلم الذي يبحث عنه كموسى الذي بحث عن نار يدفء بها اهله؟.. «يقول لي صديق: حلمت بك اعمى  اعبر بك الطريق. قلت: اموت في الغربة وانت تدفنني....» ليشطر القصيدة ايضا الى نصفين بعد «لو» والتمني المستحيل لان رؤية الغيب ناتجة عن العلم والمعرفة وعدم الرجوع الى الوراء...
لايسعني في هذه الاسطر القليلة الاحاطة بقصائد ديوان «سرجون كرم» الذكية التي فتحت نوافذ التاريخ،  واطلت على الانسانية من خلال رحلته الشبيهة برحلة موسى  التي جعلته يطفىء الانوار ويبحث عن قبس لنار يستدفىء بها اهله،  ليستكشف بالبصيرة كل  المجهول الكامن في النفس،  والموصول بالكبت الطفولي الناشىء من تربية قائمة على المنع والبتر . لتبرز عناصر تخلف الامة التي خرج منها بجهل محاه بالعلم. فالتجانس الفكري في القصائد مرتبط  بميتافيزيقية الشعر الحديث التي تلغي كلاسيكية الاختلاف في القصائد المجموعة في ديوان يشبه الانسان المتكون من ماضٍ وحاضر ومستقبل. ورؤية لبلاد  يترجل بعدها الى محطة اخيرة تخضع لشروط المنطق والعقل بعيدا عن الشفقة والانفعالات وما الى ذلك .دون ان ينسى التخبط السياسي والاجتماعي الراهن ،بل! اوجاع امته التي خرج منها  وهو يطوح بالجمال الموضوعي في لغة الشعر التي يستبطنها بتعرية الخلل المؤدي الى الحزام الناسف. فهل سندس وسكين في حديقة الخليفة هو عنوان استرجاعي للتاريخ المسبب لكل ما يحدث في الامة العربية؟