بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 أيلول 2021 12:00ص حرية التعبير في الفن التشكيلي خنقتها الأزمة الإقتصادية

لوحة للشاعر والفنان الراحل زهير غانم لوحة للشاعر والفنان الراحل زهير غانم
حجم الخط
لا يمكن أن يتحرر الفن من الأزمات التي تحيط به من خلال هروبه نحو الريشة والألوان، فمؤثرات الواقع الإقتصادي قيّدت الألوان ووضعت الفن بين هلالين مع الأزمة الاقتصادية التي تضرب المجتمع اللبناني تحديداً، والتي رفعت من الأسعار بشكل جنوني لحق بالأدوات الفنية من الألوان الى القماش، فالمعدات الأخرى التي يستخدمها الفنان، وبالتالي أصبحت اللوحة تعاني من سقم مادي جعلها في حالة غير مستقرة، تتأرجح بين سعرها ومادة تكوينها، وقدرة الفنان على الاحتفاظ بها أو حتى شراء المواد الأولية التي يحتاجها للرسم والتشكيل الجمالي بعيدا عن التذبذب الحسي، لأن الفن التشكيلي خاضع لمساحة كبيرة من الحرية القادرة على خلق جماليات تعكس قيمة المجتمعات والواقع المتأصل في المدارس الفنية كاملة من السوريالية الى التجريدية وغيرها. فهل حرية التعبير في الفن التشكيلي خنقتها الأزمة الإقتصادية؟ أم أن التحرر الفني من مساوئ الأزمة الإقتصادية يحتضر؟ وهل الفنان مطالب بتحمّل مسؤولية جمالية هي رسالة تشكيلية واعية قد يتم تنفيذها بالفحم على جدران في شوارع تفور بالثورات؟ أم أننا أمام مسؤوليات تاريخية تضع الفنان وجها لوجه أمام كليشهات أنتجتها الأزمة الاقتصادية؟

تشير الأزمة الاقتصادية الى وجود علّة تموينية عند الفنان، وليست العلّة في التموين الغذائي بل هي علّة التموين اللوني والمواد الأولية التي ازدادت أسعارها بشكل جنوني، وبالتالي حتى ارتفاع في أسعار اللوحة التي باتت تكلفتها أكثر من تسعيرتها الخاضعة لمجموعة من المعايير الموضوعة من قبل تجار اللوحة التشكيلية والمرتبطة بالسعر العالمي المقيّد بنوع معيّن من التخمين الفني. فهل أصيبت اللوحة الفنية اللبنانية تحديداً بمقتل جرّاء أزمة اقتصادية حرمت الفنان حتى من ممارسة الرسم بسبب ارتفاع أسعار المواد الفنية الخاصة باللوحة التشكيلية وتكوينها؟ وهل من حرية للتعبير عند الفنان بدون ريشة وألوان؟ ومن يحدد خسارة الفنان التشكيلي في ظل هذه الأزمة الاقتصادية والسياسية معاً؟

تؤثر الأزمات الاقتصادية على الفن وتتركه غير قادر على متابعة مسيره، وهو الذي يتغذى على الألوان التي ارتفعت اسعارها بشكل جنوني في الآونة الأخيرة، وبالتالي وقف الفنان عند مفترق الزمن، واحتفظ بلوحات ما قبل الأزمة لعله يستطيع أن يتخطى أزمته الأقتصادية الخانقة، وهو الذي لم يستطع تأمين ما يلزم ليرسم، ويحقق حريته الابداعية فنيا، ويصرخ من خلال فنه تعبيراً عن أوجاعه التي يعتبرها البعض من الكماليات غير الضرورية كالغذاء والدواء والاستشفاء. فهل صمت الفنان اللبناني وكسر ريشته في أزمة اقتصادية ضربت لبنان؟ أم أنه يحاول تأمين مستلزمات الرسم من مواد أخرى كالورق والألوان الخشبية أو زيت الزيتون والقهوة؟ أم أنه يمارس الرسم في مخيّلته أو على صفحات إلكترونية رغم صعوبات ذلك؟ وهل للفن التشكيلي أهمية في تشكيل مسيرتنا نحو المستقبل؟

الفنان التشكيلي اللبناني مأزوم ومصاب بمقتل من كل الأزمات التي اصابته بزعزعة مسيرته بدءاً من غلاء المعيشة وصولا الى المعارض التي أغلقت أبوابها، وتوقفه عن الرسم الذي يجعله يحيا ضمن مساحات يخلقها، لتكون بمثابة الأوكسجين الذي يجعله على قيد الحياة. فكيف سيستمر الفنان التشكيلي في رسم أحاسيسه وهو لا يستطيع تأمين قوت يومه أو حقه في الاستشفاء. فهل من إنتاج فني تشكيلي في ظل هذه الأزمة الكاسحة للكثير من الفنون ومنها الفن التشكيلي الذي يحتضر وهو يفتقد لأدواته الأساسية التي تحقق له الوجود والاستمرار؟