بيروت - لبنان

اخر الأخبار

20 أيار 2022 12:00ص حنايا الذاكرة

حجم الخط
غالباً ما تبعث الذاكرة بإسم ما من قاعها لمرور سنة أو كذا على غيابه، فنقف عنده متأمّلين هذه الرحلة القصيرة بين المهد واللحد وما تخللها من عطاء ومواقف.
لكنني الآن تلحّ الذاكرة بأسماء كثيرة رحلت دونما سببب لتذكرها، اللهم إلّا تلك الأسماء المطبوعة على ورق تركها أصحابها خلفهم وكأنهم يقولون: هذه آثارنا تدلُّ علينا.
تتحوّل الكتب على الرفوف إلى ما يشبه الأطلال والخرائب، خرساء جامدة، ميتة كأصحابها، تقول أشياء كثيرة همساً بأصوات مكتومة ولأذنها فقط. لأن صوت من كتبها ذهب مع الصدى والريح إلى حيث الصمت الشامل والسكينة الحقّة.
أسماء كانت تفعم الساحة الثقافية حيوية وحواراً ووجوداً، غابت مخلّفة الفراغ فلا أحد يشبه أحداً، وكأني بالمبدعين كالبصمات لا بصمة تطابق أخرى.
تحضر ليلى عسيران تلك الصديقة الحميمة التي لم يخسرها أحد كما خسرتها، وتحضر بسمتها الطفولية ورأيها الجهوري الذي لا يعترف بحواجز وعوائق. ويأبى عصام محفوظ إلا أن يخرج من بين الرفوف متأبطاً كعادته أي شيء، بالإضافة إلى صمته الطويل أحياناً غير المبرر، وحديثه الطويل أحياناً أخرى بشتى أصناف المعرفة، عصام محفوظ كان مكتبة كاملة متحركة وناطقة، دائرة معارف تتنفس.
وماذا أقول عن زهير غانم؟!...
رفيق السنوات الطويلة، ولن أذيع سرّاً إذا قلت انه كان يعرف الطريقة التي يسلكها الموت إليه وكان يقول سأنام ولا أقوم.. وها هو قد نام ولن يقوم ورحلته إلى قبره في بسنادا صوّرها شوقي بزيع بروعة في ديوانه عن بوذا.
ويبرز وجه فوزي عطوي بشوشاً وسيماً ودوداً مبلسماً للجراح إلا جراح غيابه المدوي الذي خلّف فراغاً بمقدار حجمه الثقافي الشامل.
وأسمع سعال عفيف دمشقية وهو ينفعل دفاعاً عن لغة أحبها لدرجة العشق ومعه أحمد حاطوم الهادىء الرزين الذي لا يحسن الانفعال.
كلهم غابوا.. تسللوا الواحد تلو الآخر وتركوا الذاكرة تنبض بين الحين والآخر بمواقف لهم وذكريات لا تنسى.. أسماء مضيئة مضت مع ضوئها.. ومع كل مساء نكتشف ان عدد النجوم في السماء قد قلّ.