المفكر الدكتور خير الدين حسيب الذي غادرنا بالأمس حالة قد لا تتكرر في التاريخ العربي ثقافياً وحتى سياسياً. فالرجل الذي ولد في الموصل عام 1929 حتى رحيله بالأمس كان منذوراً كلياً للعروبة بمفهومه العملي وليس النظري. فمشواره منذ نال شهادة الدكتوراه من جامعة كامبريدج وعاد إلى بغداد ليعين محافظاً للبنك المركزي العراقي ثم انتقاله للعمل في الاسكوا وبعدها إلى بيروت بعد إبعاده ليؤسس مع رفاقه من الشباب القومي العربي (مركز دراسات الوحدة العربية) عام 1975، ذلك المركز الذي أغنى العالم العربي منذ سنة 1975 بأكثر من الف عنوان على علاقة غوص في القضايا الاستراتيجية العربية بالاضافة إلى تنظيمه 65 مؤتمراً عربياً حول هذه القضايا وإصداره لمجلة بالانكليزية تهتم بتلك القضايا.
ومن ثم تأسيسه للمؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الاسلامي والمنظمة العربية لحقوق الانسان في مدينة ليماسول القبرصية بعدما تمنعت كل الدول العربية عن تأسيسها على أراضيها.
بعد ذلك، أسس المنظمة العربية للترجمة بالاضافة إلى جمعيات عربية مهنية والصندوق القومي العربي، ووقفية جمال عبد الناصر ووقفية جاسم القطامي ووقفية عبد المحسن قطان للقضية الفلسطينية. مشوار طويل حافل بالعطاء النوعي في سبيل القضايا العربية.
باع خير الدين حسيب بيته في بغداد ليوزع ثمنه على مركز دراسات الوحدة العربية والصندوق القومي العربي والمنظمة العربية للترجمة.
إنجازات يقف أمامها الانسان العربي بكل جلال واحترام لهذا التفاني في سبيل القضايا العربية في زمن غطى الضباب كل انحاء الوطن العربي لغياب مفاهيم محددة للنهوض من الكبوات المتلاحقة والتي سعى خير الدين حسيب لتحديد هذه المفاهيم عبر جهد نوعي متعدد الجهات.
وأسس منارة بل عدة منارات تضيء على الواقع العربي برمته بجهد ظهر وكأنه وفاء لنذر قومي امضى حياته في سبيله.
حتى بعد استقالته من الامانة العامة للمؤتمر القومي العربي وقراره باعتزال العمل العام بقي مرجعاً للإنارة على تعقيدات الوضع العربي من خلال علاقاته الواسعة وصداقاته التي بنيت خلال رحلة حياة حافلة بالعطاء والانجازات على الأرض ليس قولاً بل فعلاً.
سيبقى خير الدين حسيب علماً من أعلام الاستثارة في وطن عربي يفتقد في هذه المرحلة العصيبة من تاريخه إلى أمثاله.
رحمه الله.
ونعت الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، الامين العام المؤسس الدكتور خير الدين حسيب، ابرز مؤسسي «مركز دراسات الوحدة العربية» وراعي تجربته المهمة منذ 1975 وحتى استقالته من رئاسة مجلس أمنائه وإدارته العامة في العام 2017، وملق «المشروع النهضوي العربي» مع الكثير من مفكري الأمة ومثقفيها، من منابت فكرية وسياسية متعددة في 22 شباط 2010، وأحد مؤسسي «المؤتمر القومي – الاسلامي» و»المنظمة العربية لحقوق الانسان»، و»جمعية الاقتصاديين العرب»، وراعي الكثير من الجمعيات والمبادرات القومية المتخصصة.