بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 أيار 2019 01:04ص د. جبرائيل جبور المؤرّخ والمعلّم.. سحرية الذاكرة والإبداع

نذر نفسه للتعليم لقاء راتب سنوي مقداره ليرة واحدة!

د. جبرائيل جبور د. جبرائيل جبور
حجم الخط
في مثل هذا اليوم من عام 1989 توفي الأديب والشاعر والمفكّر جبرائيل جبور الذي نذر نفسه للتعليم لقاء راتب سنوي مقداره.. ليرة واحدة في السنة وذلك في الكلية الانجيلية الوطنية.

الراتب الفخري السنوي لعام (1973-1974) للدكتور البروفسور جبرائيل جبور. صفحات تربوية مشرقة في «جبين التعليم» وقراءة التاريخ والفكر، بعيون الإبداع.

جبرائيل جبور.. الباحث والمؤرّخ في جامعات لبنان، أهمها: الجامعة الأميركية، وجامعة القديس يوسف، والأستاذ المشرف على اطروحات الطلاب وأبرزهم: الدكتور فوزي عطوي الذي نال شهادة الدكتوراه بإشرافه وموضوعها «بولس سلامة.. الأديب والشاعر» بدرجة جيد جداً. هو من جيل المفكرين والمؤرخين الروّاد أمثال: فيليب حتي، قسطنطين زريق، العلّامة عبد الله العلايلي، والعلّامة الشهيد الدكتور صبحي الصالح، والعلّامة القاضي الدكتور صبحي المحمصاني (مؤلف كتاب عبد الرحمن الأوزاعي)، والمؤرخ الفيلسوف الدكتور عمر فروخ.

قدّم د. جبرائيل جبور في حياته الأكاديمية ومناقشاته الموضوعية وفعالياته الثقافية، رؤى ودراسات بحثية تتسم بالاكتشاف والمراجعة والنقد والقراءة، تطرح لأول مرّة بعيداً عن الصيغ التقليدية، وعلى وجه التحديد في حقلي: الدراسات الفكرية الوطنية وتجربة ترحال بين الدين والبرهان من اتصال وغيرها من الدراسات الفلسطينية التاريخية المعمّقة، وآخر نتاج أدبي له: دراسة عن عمر بن ربيعة وأعماله، وكتاب «تاريخ البادية العربية».

وجميع هذه المؤلفات أعطى للأجيال العربية الطالعة بُعداً عالمياً وخاصة بحثية تماست ودراسات ما بعد الحداثة انتجتها عقول بحثية أكاديمية عربية لها وزنها في الأدب والتاريخ، والفلسفة، والفنون.

يُعد جبرائيل جبور بشهادة العلّامة والمفكر الإعلامي الدكتور طه الولي رائداً من روّاد الفكر الفلسفي المعاصر، ومن العقول العربية اللامعة.

أسهم بانتاجه الفلسفي الذي ألهم - وما زال يلهم - الباحثين ويمدّهم بمصادر الفكر الغربي القديم والمعاصر، والتراث العربي والإسلامي، تأليفاً وتحقيقاً وترجمة. بما لا يستغنى عنه الباحث، والمثقف والمختص في مجال الدراسة الفلسفية والحقيقة، ان د. جبور بما قدّمه من كتابات إنما يؤسّس ليس فقط للدراسات الفلسفية، وإنما لإيجاد «وعي عربي» معاصر أو ما سمّاه في أولى دراساته عن العلّامة وأستاذ الفقه الإسلامي والقراني الدكتور مصطفى الغلاييني «ثورة روحية».

الكلية الانجيلية الوطنية «مدرسة عبيه» العليا مهّدت الطريق أمام قيام الكلية السورية الانجيلية في بيروت.

أوّل مجلس إدارة للكلية السورية الانجيلية: د. يوحنا وارطابات، القس دانيال بلس، د. كرنيليوس فان ديك، د. هارفرد بورترماد، ادمون لويس، د. جورج بوست، القس دافيد شتوارت دورج (انظر الصورة - الوثيقة - المعلقة على جدران «مكتبة يافت» بالجامعة الأميركية - تأسست عام 1866).

قصة «الجامعة الاميركية» هي قصة الغياب الفكري لعالم القرون 16 و17 و18 و19 والربع الأول للقرن العشرين، عن دنيا الثقافة بسبب الاستعمار العثماني، الذي لم يكتف بنشره «غيمة سوداء» اللون من الجهل فوق العالم العربي بل، وحاول عبر مسيرته الطويلة، إلغاء الفكر الحضاري العربي واللغة العربية من عقول النّاس.

د. جبرائيل جبور «سحرية الذاكرة» وركنا اساسياً لإدراك جمالية الحداثة وتمثلها، توارى هذا الأديب مخلّفاً تركة باذخة من الأعمال التربوية، والإسلامية، والتراثية وحصيلة مشهودة من الدراسة والتحصيل في كبريات المدارس والمعاهد والجامعات.

«إذا لم تكن الحضارة في قلب الإنسان.. فلن تكون في أي مكان»!

بهذه العبارة ختم د. جبور حديثه في حفلة تخريج طلابه وعددهم 58 طالباً في الكلية الانجيلية الوطنية في سبعينات القرن الماضي، وبحضور القس الدكتور فؤاد نبهان.

ويوم كرّمته المدرسة وقف أحد طلابه وهو يمسح «دموعه» وقدّم له ليرة لبنانية وسط تصفيق الآباء والأساتذة والطلاب واعتبر د. جبور بأن الليرة هي وساماً أضيف إلى الوسامين اللذين يحملهما من الحكومة اللبنانية: وسام المعارف المذهّب من الدرجة الأولى ووسام الأرز برتبة فارس.

هو خرّيج مدرسة «ثانوية حمص» وسوق الغرب، والجامعة الأميركية في بيروت والدكتوراه في جامعة برنستون وأشهر أبحاثه عن الشاعر العربي «عمر بن أبي ربيعة» وطبع منه 4 مجلدات، وترجم «تاريخ العرب» للدكتور فيليب حتي، والكواكب السائرة والعديد من الأحاديث في الإذاعة البريطانية.

قبل رحيله باسابيع قليلة زرته في مستشفى الجامعة الأميركية، وبين الزائرين: نجله د. سهيل جبور والدكتور طه الولي (مؤرخ بيروت) والمؤرخ محمد عيتاني، قال لي بصوت مبحوح: «هل تذكر يا ولدي يوم اشرفت على اعداد أطروحتك عن الإعلام الإذاعي في جامعة القديس يوسف؟!».

وهنا تنهد وقال: «اكتب عني دائماً بأن أبو سهيل أسعد إنسان في الدنيا، والليرة التي منحني إيّاها أبنائي الطلاب هي بالنسبة لي أرفع وسام تلقيته في حياتي التعليمية».

وأغمض أبا سهيل عينيه؟!