بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 نيسان 2022 12:01ص د. محمد المجذوب ود. طارق المجذوب في «محنَة النظام في لبنان» ما أشبه حاضر لبنان بأمسه

حجم الخط
عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر صدر للباحث والأستاذ الأكاديمي الراحل د. محمد المجذوب وولده الوزير السابق د. طارق المجذوب كتاب بعنوان «محنَة النظام في لبنان (الصغير والكبير)»، وكانت الطبعة الأولى للكتاب قد صدرت بتاريخ 1957 للدكتور محمد المجذوب بمفرده، وفي الكتاب الذي بين أيدينا اعتمد هذه الطبعة مع إضافات وافية للدكتور طارق المجذوب تغطّي المستجدّات والتطورات مؤسّسة على ما سبق، متميّزة لبعض الخصائص منها تعدّد مصادر المعلومات الحديثة.
ولعل ما ورد في مقدمة الكتاب للدكتور طارق المجذوب يلخص ما يريد الكتاب قوله إذ أنه كتب يقول (ما أشبه حاضر لبنان بأمسه.. ما أشبه وضعنا اللبناني الراهن قبل النكبة وخلالها بوضعنا، قبل الاستقلال وإبّانه، بل ما أشبه مصيبة اللبناني الآن بمصيبة لبنان كلّه بعد قرن أو يزيد من إعلان «دولة لبنان الكبير»).
يتتبع الكتاب تاريخياً الوضع السياسي للبنان ابتداء من العام 1516 يوم انتصر السلطان العثماني سليم الأول على المماليك في موقعة «مرج دابق» ودخل لبنان تحت سيطرة الحكم العثماني، مع الإشارة إلى انه كان يتمتع خلال هذه الحقبة بامتيازات خاصة لم تكن تتمتع بها الولايات العثمانية الأخرى خلال حكم المعنيين والشهابيين مروراً بحملة إبراهيم باشا في بداية ثلاثينات القرن التاسع عشر ومن ثم اشتداد التدخّل الأوروبي في الشؤون اللبنانية ونظام القائمقاميتين، مروراً بأحداث 1860 والمتصرفية والحرب العالمية الأولى 1914 ثم سيطرة الفرنسيين 1920 على سوريا ولبنان وإعلان دولة لبنان الكبير بحدوده الحالية بتاريخ 1/9/1920. ويتطرّق الكتاب إلى الخصائص العامة للدستور اللبناني الذي صدر 1926 الذي خضع لتعديلات مهمة كان آخرها 1990 وصولاً إلى اتفاق الطائف والاتفاق على ميثاق وفاق وطني.
حول إنشاء الدستور 1926 يسهب الكتاب في شرح ظروف انشائه وما أحيط به من تدخّلات وأهداف.
وحول وثيقة الطائف يرى الكتاب ان هذه الوثيقة لم تأتِ بحل نهائي للأزمة بل كانت تسوية سياسية وانها لا تخلو من بصمات أو تطلّعات أو خلفيات طائفية بل ان البعض يرى فيها عملية تكريس دستوري للوضع الطائفي في لبنان رغم انها تضمنت وعداً بإلغاء الطائفية السياسية بعد فترة غير محددة من الزمن، ويتضمن الكتاب بحثاً حول مضمون الدستور والمآخذ على صيغته.
ثم ينتقل الى دور العوامل السياسية والدستورية في انفجار الحرب الأهلية 1975 والدروس المستقاة من هذه الحرب.
وفي الفصل الثالث من الكتاب المعنون (البرلمان في لبنان لا يمثل مصالح الشعب وآماله) وفي المبحث الثاني منه بعنوان (مجلس نيابي لا يأمن الشعب جانبه) يذكر الكتاب قصصا واقعية كان أبطالها رجال هذا المجلس، وهذه بعض الشذرات منها:
- قبل استقالة الرئيس بشارة الخوري (1890 - 1964) بساعات وقّع 55 نائباً عريضة يؤيّدونه فيها ويجدّدون له ثقتهم وولاءهم. وهؤلاء النواب هم تخلّوا عنه، وهلّلوا لغيره وانتخبوا خَلَفه بعد أيام من حدوث الانقلاب.
- وَقَعت في جلسة محاكمة قَتَلة محمد عبود عبدالرزاق (1903 - 1953)، الذي اغتيل قبل انتخابات تموز (يوليو) 1953 بأسبوع، فضيحة تحدّثت عنها الصحف الصادرة في السابع من أيلول (سبتمبر).
لقد قُدّمت إلى المحكمة وثيقة وقّعها ثلاثة نواب من منطقة عكار، واقسموا فيها على الولاء للنائب سليمان العلي (1910 - 1987) (المتهم بـ«تحريضه على القتل»)، وعاهدوا على اتّباع أوامره وانتهاج السياسة التي يرسمها لهم في حالة فوزهم في الانتخابات.
- بعد نكبة فلسطين، كتب نائب مُرْهَف الحسّ إلى إيفا بيرون، زوجة رئيس الأرجنتين السابق، يرجوها مساعدة المنكوبين.
وبعثت الحكومة الأرجنتينية، بعد مدّة، بعشرة آلاف علبة من اللحم. لكن العلب بيعت عند تسلّمها في السوق السوداء.. باعها النائب المُرْهف الحسّ نفسه ولحسابه الخاص.
- أهدت حكومة الولايات المتحدة الأميركية، في العام 1956، كمية كبيرة من مسحوق الحليب الى لبنان، ليوزّع على الفقراء والمعوزين والمستشفيات والمؤسسات الخيرية.
وتولّت الحكومة توزيع كمية من الحليب، لكن قسماً كبيراً منها لم يوزّع بحجة أنه غير صالح، فبيع كعلف للحيوانات.
ومضت أيام وإذا بمسحوق الحليب الذي بيع كعلف يُعرض في الأسواق للبيع. وصادرت مصلحة الجمارك الكمية المعروضة وقيل ان أسماء كثيرة ظهرت وراء عملية المصادرة.
وتبيّن أن بعض المؤسسات التي نالت حصة من هذا الحليب كانت وهميّة لا وجود لها، وأن بعض الذين وُزّع عليهم الحليب كانوا رجال سياسة.
- كان جميل شهاب 1961 وزيراً للمالية في حكومة رشيد كرامي واستقال بعد أن صرّح بأن أموال الإحتياط كان تبلغ ثمانين مليوناً لكنها تبخّرت في أيام ولم يبقَ منها إلّا مليون واحد، من المسؤول؟.. لا أحد يدري.
نماذج سوداء تشبه الى حد بعيد ما يجري اليوم ولذلك كان من عنوان هذا المقال (ما أشبه حاضر لبنان بأمسه).
يتكلم الكتاب بعدها عن بعض مشاريع الإصلاح المقترحة.
كتاب يستعرض الواقع السياسي والقيّمين عليه في لبنان بعين مدققة وعارفة، ويقع في 354 صفحة من القطع الوسط.

إلياس العطروني