بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 آذار 2023 12:00ص دارة الشمس

حجم الخط
بين القصرين: قصر عبد الرحيم دياب، وقصر رفيق الحريري، على ظهر شارع قريطم، قبالة جامع قريطم، ومبنى LAU، تقع دارة ظليلة متواضعة، تتفيأ ظلال شجيرات الكوشوك الخمس الباسقة، إنها دارة الأديبة والناقدة والشاعرة والفنانة التشكيلية، دارة خيرات، خيرات الزين، دارة أم حسن، بإختصار شديد.
دارة متواضعة تنبسط مثل كفي طائي، عند زاوية تضوئ الليل النهاري الموحش، بين قصرين، وأمامها رصيف عريض، كصدر بيت من الشعر. لا تفتأ منذ دهر، منذ عصر كورونا، وما قبله، وما بعده، تستقبل الزائرين كل يوم، تماما كما تستقبل الشمس.
اعتادت واجهاتها الزجاجية، أن تحتفظ بظلال العابرين بها، بظلال الزائرين لها، بظلال ضيفانها، حجاجها، معتمريها، وكذلك بعيون الفضوليين، الذين يرون في المعلقات التشكيلية من الرسوم الفنية الجاذبة، تلك التي علقت على جدرانها الداخلية، كما في رفوف الكتب من مكتبتها التي تتصدر الصالة، ما يؤنس النفس، ويبعث الراحة، ويذكّي الروح، في وحشة الخواء، على تقاطع مُرّ وصعب وقاسٍ، بين شارعين، وبين تاريخين، في برهة إلتقاء الزمن، فوق تعامد الشمس بين قصرين، في دارة الشمس، دارة خيرات.. عنيت: خيرات الزين.
مبرك بناية مباركة بطبقاتها الثمانية، منذ أول دهرها، هي تلك الدارة التي تشرق كل صباح، في هذه الزاوية التاريخية العريقة، من محلة قريطم من محجة قريطم: مقيل الأدباء والشعراء والفنانين.
موئل الأدباء والشعراء والفنانين إذا، بل موئل أهل العلم والأدب ورجال القانون. موئل أهل الصحافة والإعلام وكل ذي شغف بفن من الفنون، هي هذه الدارة، دارة الشمس، دارة خيرات الزين بين قصرين، بين هذين القصرين العريقين.
هل نتحدث عن درّة بين قصرين.. نعم، لِمَ لا. هي الدارة والدرّة في آن. فدارة الشمس هذه، تشعّ كل يوم مثل درّة عظيمة، درّة وقعت لنا للتو، وقعت للقلب من يد غواص، تشرق عادة منه، من القلب، حين تؤمّها منذ الصباح، كل هاتيك الوجوه المضيئة، التي تنير التقاطع المظلم.. تنير كل هاتيك الطرق المؤدية إليها، مثل عمد من الضوء، من الضياء، مثل منارات، مثل شمعدانات. لولاها لأطبقت العتمة كل أنحاء البلاد. فما معنى الأفق والموج؟! ما معنى الأثير، بلا رنّة كلمة، بلا شعلة، بلا بقعة ضوء، بلا سراج ولو خافت، في الليل الأليل، في الليل الثقيل، في الليل القتيل؟!
دارة الشمس، إذ تحضن دائرة للضوء، هي حقا، دارة خيرات الزين.
لا أغالي.. لا أبالغ: أخرجوا معي من شارع الحمرا، فتلتقطكم الشمس، قبالة سينما البيكاديلي، تطارحكم السلام و الدفء وبعضا من أشعتها، تنشر فوقكم خيوطها الذهبية، وأنتم تتابعون سيريكم صعودا، طالبين طلعة/ نزلة البرستول، شارع عبد العزيز، ثم ترونها تزاحمكم، وأنتم تنعطفون بإتجاه الصنوبرة.
رأيتني أغز السير وئيدا وئيدا، أغز السير وحيدا وحيدا، وبين يدي قراطيس عتيقة، ورق عتيق، والشمس تصحبني، ترافقني، تظللني، لا تستوحش مني، طوال هاتيك الدرب.. الدرب التي عبقت بأفئدة الزائرين لعقود وعقود. وها هي اليوم، تستريح في دارتها حانية كليلة بين قصرين: دارة الشمس قلْ.. أو هي دارة خيرات الزين.
ما أجمل الشمس، حين تحنو على الطريق، تجعل الهامة أعظم، بطول درب طويل، بطول دهر طويل. تجعل من بعض الخيال، ما هو أدهى و أعظم. تجعل الأدب، جبلا، جملا، يدبّ بخفّيه، برفق. يجس على الجانبين، التراب العليل.
دارة الشمس، محجّة أم مجسّة الأدب والشعر والفن. نبعة الشوق هي، إلى المنتهى: قوافل من العطر، تبرك في ساحاتها، تنيخ فيها.. في دارة الشمس، تستريح حتى يؤوب الخيال، على أجنحة الخيل، يصهل، يهدر، مثل شلال يفتق الصخر، يفتق عرى النهار، يتفتق من برديه ذهبا وشعرا، ويستريح على بابها، مثل طاقة من ورد وأكثر.. مثل قارورة من عطر.
دارة الشمس، تسكب النور والدفء، من ضحى كل يوم، حتى أوان العصر. إيوان عظيم، أم سرادق عملاقة، لا تملّ يداه قول ما لا يقال بعد. وحين تؤوب الشمس إلى سدرتها، لا يكون المغيب، بل يكون قرين يوم آخر.. قرين يوم قريب.
دارة الشمس إذا، تهمس، حين تهمس في أذن الأفول: عودوا إليّ غدا. أما قيل لكم يوما: إن غدا لناظره قريب!
دارة الشمس، خيرات، خيرات الزين، أم حسن، سلامتك.

أستاذ في الجامعة اللبنانية