بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 حزيران 2022 12:00ص دور المثقّف في التوجيه الاجتماعي والسياسي

حجم الخط
ما أجملها مستودعاً لكل أنواع السخافات تلك «الثقافة المبتورة المنتشرة في كل مكان: قد تكون أخطر من الجهل نفسه».
ج. غوينو
على طريق الإنسان
قبل الغوص في معالجة إشكالية الدور الذي يضطلع به المثقف العربي في عالمنا اليوم، تجدر بنا أو الإطلالة على بعض المفاهيم عبر الإجابة عن بعض الأسئلة الأساسية: ما هي الثقافة؟ ومن هو المثقف؟ وكيف يتم تصنيف المثقفين؟ وكيف يمكن تمييزهم من غير المثقفين؟ وعلى أي أساس؟ - في المجتمع، هي التي تمدُّ أفراده بتبريرات الشرعية نمط الإنتاج السائد ونمط التوزيع مع الفرد، وهي تمدّه ببنية دافعة تربط بين هويته والنمط السائد للإنتاج، وذلك من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية وطقوسها.
- مع المجموعة، تمدّ أعضاء المجتمع بتفسيرات رمزية للحدود الطبيعية الخاصة بالحياة الإنسانية.
ويرى ماكس فيبر أن الثقافة مرتبطة ارتباطا مباشرة بدرجة التطور التي بلغتها المجتمعات: فالثقافة القديمة جاءت نتيجة المجتمع التقليدي وهي متلائمة السياسية البعيدة عن مركزية السلطة، في حين أن الثقافة السياسية في المجتمعات ذات السلطة المركزية تصبح أكثر تعرّضا للخضوع والإذعان للحاكم. أما ثقافة المشاركة في صنع القرار، فهي ميزة المجتمعات الديموقراطية.
من ناحية أخری، يرى الكاتب الفرنسي سينفريا أن «الثقافة هي وعي الفرد بما هو كائن مفكر، وكذلك لعلاقاته مع الآخرين ومع الطبيعة فيكون المثقف بالتالي هو الإنسان الذي يعي نفسه ويحدّد موقعها، وتكون الثقافة بمثابة النظرة الشخصية للحياة كما يراها الفرد والمثقف ليس فقط من ينشد الحقيقة ويبحث فيها أو عنها، بل هو أيضا المدافع الشجاع عن رؤية أو فكرة أو رأي من خلال المواجهة النقدية للمعطيات الفكرية والاجتماعية والسياسية من محيطه الثقافي، وذلك دونما خوف أو مساومة مع السلطات الحاكمة.
على ذلك، يمكن القول إن تعبير المثقفين يطلق على تلك الفئات الاجتماعية التي تهيّأت لها أسباب التعبير والإمكانيات الثقافية وربما أحيانا تولّي القيادة الفكرية والمثقف في تحديد آخر هو شخص يفكر، بصورة أو بأخرى، مباشرة أو غير مباشرة، انطلاقاً من تفكير مثقف سابق: يستوحيه، يسير على منواله، يكرره يعارفه، يتجاوزه، والتفكير تفكير في موضوع، والموضوع إما أفكار، وإما معطيات الواقع الطبيعي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، والمثقف الذي يفكر في أي موضوع، إنما يفعل ذلك داخل مرجعية ثقافية. ولأن مجال القول في موضوع المثقفين في الحضارة العربية الإسلامية، بحكم اندراج إنتاجهم الفكري في معمعة الخلاف كشرط لظهور الفكر وكعنصر لتطويره، ولأن معيار الفردية مطلب وجودي في نشأة المثقف، وجد بعض الفلاسفة والمثقفين أنفسهم أمام ضرورة إعادة النظر في الصيغ والأحكام الكلاسيكية التي وجهت إلى المتكلمة، والمثقف في العالم العربي الإسلامي يمارس العقيدة لا كمجرد اعتقاد بل أيضاً كرأي وتعبير عن هذا الرأي: وإنه بذلك يتحول إلى متكلم وصاحب مقالة.
لكن القيمة هي الإنسان نفسه حيث تتجلى في حقيقته الديناميكية المتغيّرة. ثم يضيف: «الثقافة لبّت بأن يتقن المرء لغات عدة ويلقي قصائد الشعر ويردد أسماء الرسامين العالميين وآلهة الميثولوجيا الإغريقية، بل أن يعي أن أهم ما يحمله في داخله هو الحياة. وبما أن الثقافة ليس لها حدود، فلا بد إذا أن تكون نسبية، وبالتالي لا يمكن أن توضع لها حدود نهائية. ويختم لوكیزیو نهجه هذا عن الثقافة في كتابه «منتهى السعادة المادية»، L’Extase matérielle بالقول إن الثقافة ليست غاية بذاتها ولا معنى لوجودها خارج الإنسان.
إذا كان هذا ما ليست عليه الثقافة، فما هي الثقافة إذا في تحديدها الإيجابي؟
على الصعيد الاجتماعي، يمكن تحديد الثقافة بأنها ذلك القاسم المشترك والشائع من المعتقدات والقيم والاتجاهات التي تحدد ما هو مسموح به وما هو غير مسموح به من سلوكيات. كما تحدد أنواع المشاكل التي تواجه المجتمع.
وكذلك، فإن الثقافة تقيم المعايير التي يؤخذ بها في تحديد ما هو ملائم لما ننتظره من أشكال السلوك لدى الأفراد والجماعات.
وهكذا نرى أن الثقافة ليست مسألة كتب ونصوص فحسب، وليس المثقف موسوعة جوالة تحوي كميات من المعلومات المتشعبة التي لا تساعد على استخلاص النتائج والعِبَر وفقاً لمقتضى الحال، علماً بأن الأثر الإيجابي للقراءة غني عن البيان. المسألة أبعد من ذلك إذ يقتضي توظيف الطاقات الفردية التي تقوم عليها الثقافة باتجاه خدمة المجتمع بما يتماشى مع حاجات هذا المجتمع وهي حاجات لا يمكن تجاهلها. هذا وليست الثقافة حكراً على أحد، فكل الطبقات والفئات وكل المهن معنية بما اعتادت الأنتلجنتسيا اعتباره حكراً عليها، ولا سيما على صعيد التوجيه الإجتماعي والسياسي.