بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 آذار 2020 12:01ص دور المثقفين في نهضة بلدانهم

حجم الخط
اننا بحاجة الى بلورة رؤية استراتيجية عربية نتفاعل من خلالها مع التحدّيات. وان مسؤولياتنا تفرض التعاون والتنسيق في هذا المجال في الوقت الذي نرى سياسات القوى الكبرى وخاصة سياسة القوة الأحادي اليوم «أميركا» تتبع سياسة هجومية تقوم على الهيمنة والسيطرة لاحتواء الوضع العربي. وهنا تأتي ضرورة إيجاد استراتيجية متكاملة عربية موحّدة لبناء الوعي القومي والتصدّي للأخطار المحدّقة بالعرب، قادرة على مقاومة الاستراتيجية المناهضة التي تعمل على تفتيت الوطن العربي وتمزيق شعوبه الى طوائف متصارعة وأنظمة متنازعة ومتقاتلة بغية تحقيق أهدافها في المنطقة.

ان التحدّيات التي تواجهنا في الوقت الراهن أكبر بكثير مما نتصوّر. فنحن في وضع دولي ملتهب وفي حالة إستنفار شديدة ونتعرّض لحملة تشويه غير مسبوقة. وهذا يدعونا الى اليقظة والصحوة والتعامل مع هذه المشكلة بجديّة تامة، وأن نتحرّك بوعي وذلك بترتيب البيت العربي والإسلامي من الداخل ومواجهة حملات التشويه المثارة ضدنا بحكمة، ودراسة أوضاعنا بعقلانية وموضوعية وبروح ناقدة بعيدة عن الأهواء والتعصّب والانفعال وهذا يتطلّب معرفة العالم الذي نعيش فيه معرفة جيدة وتفحّص الوقائع والحقائق بدقّة. كما علينا أن نقف على أوضاعنا في الماضي والحاضر ونتقبّل نقدها على ما في ذلك من آلام قد تمسّ مشاعرنا.

وعلينا أن ندرك ان العالم الذي نعيش فيه هو غابة استوائية فعلية في تكوينها وطريقة التعامل فيها، وان حكامها وسادتها الأقوياء وحوش ضارية تتحكّم بالشعوب الضعيفة والفقيرة بمثل ما تتحكّم وحوش الغابة القوية بالأضعف منها ان لم تكن أساليبها أعنف وبدون أي رادع، فتضع القوانين وفق مصالحها وارادتها لحماية جرائمها وتبريرها. فالقوي هو السيد والآمر ولا حياة كريمة للضعيف والفقير.

وفي ظل ما يجري الآن على الساحة الدولية نشير الى ان إدارة القطب الواحد ومن هم في فلكه في الدول التابعة له دشّنوا هذا القرن الجديد بآلاتهم الحربية المتطوّرة بالاعتداء على الآخرين دولاً وجماعات وكيانات حضارية وكل من لا يستجيب لسياساتهم الضيقة والقائمة على ثنائية سياسية لا أخلاقية تجعل من الخاضع والتابع لهم صديقاً، والمخالف عدوا يجب تدميره أو إلغاؤه. هذا وان تكالبهم على الربح يؤدّي الى إشعال الحروب، وان العولمة الاقتصادية المتحالفة فكريا واستراتيجيا مع مفهومهم السياسي هي عولمة متوحشة ومحاربة. والعولمة هنا هي نسيج سياستهم الاستراتيجية المتعالية فوق كل السيادات الوطنية.

ان العدالة والمساواة والتعامل بثوابت المبادئ الإنسانية بين البشر تستلهمها الشعوب من تاريخها وحضاراتها العريقة، وتتحقق في الانسجام المبني على الفكر الإنساني الراقي والحضاري في التعامل مع الآخر، فإذا أردنا أن نعيش بكرامة وشرف، يتوجب علينا أن نكون أقوياء بأنفسنا لا باستعارة القوة من الغير. والقوة ليست كما كانت في الماضي ترتكز على الشجاعة وحدها فهي تتمثل اليوم بالعلم والتقنية وحسن استعمال العقل، وبالاقتصاد المتين المتطوّر ومعرفة أوضاع العالم المعاصر.

اننا لسنا أول شعب يُهزم في التاريخ، بعد أن أخلينا ساحتنا الثقافية وتركنا لرياح التخلّف أن تعبث بنا، وأسلم بعضنا للظلم والقهر الذي مورس علينا، فهناك شعوب هُزمت قبلنا، غير انها ناضلت واستمرت في النضال حتى تمكّنت من إعادة بناء نفسها بعد أن دفعت الثمن غالياً. لذلك فإن المثقفين يؤكدون اليوم عزمهم على البناء بتعزيز مكانة ثقافتهم العربية ودورهها وتحرير ساحتها وتحصين استقلالها ورؤيتها وإرادتها حرصا على مناخ سليم تنمو فيه القيمة وينمو فيه الشعور بالمسؤولية على أرضية الانتماء الوطني والقومي والإنساني وفي مناخ الحرية والتكافؤ.

ان الثقافة قادرة على تحرير ساحاتها وتحقيق شيء هام في هذا الليل العربي الطويل. وان حاجتنا ملحّة الى مثقفينا الرواد بهذه الآونة بالذات لأننا نعيش وسط قوى معتدية متربّصة متوسّعة قائمة على القوة، وقوتها مستمدّة من الثقافة، فلا مندوحة لنا من أن نتسلّح بسلاحها ونعمل على التفوّق عليها.

كما يمكننا القول ان بإمكان ثقافتنا ومثقفينا مخاطبة القوى الكبرى المتغطرسة وفي مقدمتها القوة الأحادية القطب التي تلعب دور (شرطي العالم)، تدخل متى تشاء وحين تشاء وكيفما تشاء بإسم السلام حينا وبإسم حقوق الإنسان حينا وبإسم قوتها العظمى في كل حين، ان ذلك يعرّضها أكثر فأكثر الى عزلة سياسية عالمية لا يمكن اخفاؤها. وان التظاهرات الكبرى لملايين البشر الغاضبين الرافضين التسلّط والمباهاة بتحدّي إرادة العالم في معظم أنحاء العالم ضد سياستها العدوانية حتى في أكثر الدول تأييدا لها بما فيها المدن الأميركية خير شاهد على ذلك.

وعلينا أن نتوجّه الى القوى الكبرى بان تكفّ عن تشويه صورتنا، التي كانت مشرقة على مدى مرحلة كبيرة من التاريخ، وذلك تجاهلا منها وانتقاما.