بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 كانون الثاني 2019 12:14ص رؤية مستقبلية للحفاظ على حضارتنا للدكتور فادي قمير

حجم الخط
 «Hydrodiplomatie et Nexus Eau- Energie - Alimentation»: هو عنوان الكتاب الجديد لمدير عام الموارد المائية والكهربائية الدكتور فادي جورج قمير الذي صدر مؤخراً باللغة الفرنسية والذي نال على أثره جائزة Phénix.الـ 23.
يشكل كتاب الدكتور قمير قيمة علمية وانسانية كبيرة بما تضمّنه من رؤية مستقبلية للحفاظ على حضارتنا على هذه الأرض في مجال القضايا المائية ويساهم في دق ناقوس الخطر وحثّ المسؤولين على تطبيق ميثاق باريس وعلى الوعي بخطر ما ينتظر البشرية فيما لو استمرّت الحال على هذا النحو ليتداركوا الخطر المحدق بها قبل وقوعه.
 يتناول المؤلف في كتابه مفهوم الدبلوماسية المائية الذي تمّ تبنّيه من قبل منظمة اليونيسكو، حيث أصدر المؤلِّف، من خلال هذه المنظمة، أيضًا كتاباً في العام 2015 حمل عنوان: «Science diplomacy and transboundary water management:The Orontes River case ».
 يشرح الدكتور قمير في هذا الكتاب مفهوم الدبلوماسية المائية الذي كان أول من طرحه وهو يستند الى مبدأ التعاون الدولي حول المياه كوسيلة لتقارب الشعوب وكوسيلة لتعزيز السلام حول المياه وانتاج فوائد «اقتصادية جمّة» بغية انشاء هيئات اقليمية ودولية لإدارة الأحواض المشتركة تتمثّل فيها كافة الدول المتشاطئة؛ وأن يكون لكل دولة ما يكفي من المياه لضمان الرفاه الاجتماعي والازدهار الاقتصادي للأجيال القادمة، ذلك بهدف تلبية هذه الاحتياجات لتحقيق سلام دائم في المنطقة وتعزيز مفهوم الإدارة المتكاملة على مستوى الحوض.
 ذلك أن مفهوم الدبلوماسية المائية استناداً الى مفهوم الإدارة المتكاملة على مستوى الحوض من شأنه ايجاد كمية مياه اضافية في المنطقة باستخدام المياه التقليدية وغير التقليدية.
 ينطلق الكاتب من المشاكل القائمة على الأنهر الدولية بما يتعلّق بحقّ إستخدام المجاري الدولية المشتركة للأغراض الملاحية التي تتجلّى في غالبيتها بأن غالبية المياه تأتي من خارج البلاد العربية، وهذا ما يثير المشاكل بين الدول المتشاطئة بسبب تكريس مفهوم الهيمنة بدلاً من التعاون عارضًا لأمثلة واقعية: كمصر التي لا ينبع منها نهر النيل، في حين أن مستقبل مصر الانمائي كلّه يرتكز على النيل. وكذلك نهري دجلة والفرات حيث ان منبعهما هو تركيا التي تمارس الضغط المائي على الدول العربية مثل العراق وسوريا. والحال نفسها بالنسبة لنهر الأردن الذي ينبع من جبل الشيخ في لبنان بينما اسرائيل تستفيد من معظم مياهه وتمارس الهيمنة على الدول المشاطئة أي لبنان والاردن وسوريا. وهذا ما دفع بها الى تطوير مشروع قناة البحر الاحمر - البحر الميت بينها وبين الاردن واستبعاد فلسطين منه والذي يقضي بجر المياه عبر خط أنابيب من البحر الأحمر إلى البحر الميت بسبب انخفاض مستوى البحر الميت عن سطح البحر.
 أمّا لماذا كتب المؤلف هذا الكتاب فهو لتنبهه الى ظاهرة الاحتباس الحراري والمتغيرات الشاملة التي نلحظ آثارها التي تتفاقم سنة بعد سنة والى المفاوضات على الأنهر الدولية، حيث أن اقتسام المياه بين الدول المتشاطئة يؤثّر على كمية المياه المتاحة لكل دولة وهذا ما قد يتسبب في نزاعات كبيرة خاصةً على الأنهر العابرة للحدود. جاء المؤلف بهذه النتيجة بعد مسيرة عمل طويلة، حيث لمس خلالها، الواقع المائي اللبناني والعربي والعالمي من خلال موقعه كمدير عام للموارد المائية والكهربائية ومن خلال مشاركته بالمؤتمرات والندوات العلمية التي تُثار حول قضايا المياه في العالم.
 فحجم المياه السطحية المتوافرة في البلدان العربية هو كبير، غير أن معظمها يأتي من خارج الحدود العربية فالمياه التي تنبع من أراضيها تشكّل أقل من 50 % من نسبة هذه المياه.
 كما تطرّق الكاتب الى التجارب الناجحة على الأحواض الدولية العابرة للحدود مبيّنًا أهمية التعاون بين الدول المتشاطئة باعتماد مفهوم الدبلوماسية المائية في التفاوض على اقتسام مياه الانهر الدولية، بحيث يمكن التوصّل، سلمياً، الى تطبيق التقاسم العادل والاستعمال المنصف في إدارة الأحواض المائية الذي تنصّ عليه اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997. وهذا ما نجح به كل من لبنان وسوريا حيث جرى ترتيب التعاون المائي بين البلدين المجاورين على مجرى نهر العاصي ونهر الكبير الجنوبي وتمّ اقتسام المياه بشكل عادل ومنصف.
 كما ركّز الكاتب في هذا الكتاب على أهمية الترابط بين العناصر الثلاثة: المياه والطاقة والغذاء. ذلك أن هذه العناصر تتداخل وتتأثر ببعضها البعض كون ارتباطها أصبح وثيقًا في أيامنا هذه؛ فالطاقة بحاجة الى المياه لاستخراجها وتحلية مياه البحر في بعض الدول التي لا تنعم بثروات مائية طبيعية كبلدان الخليج وهذا ما يتطلب استهلاك طاقة كبيرة. بالإضافة الى أن انتاج الغذاء يعتمد على مدى توفر المياه لري المزروعات ونظراً للمتغيرات المناخية والتصحّر الذي خيّم على غالبية الدول في السنوات الأخيرة وتأثرت بها بلدان المنطقة ولبنان منها، ينعكس سلباً على الغذاء وارتفاع أسعار كلفته بسبب ارتفاع أسعار المحروقات كلها عوامل تؤدي الى تدهور نسبة الاراضي الزراعية وتؤثر على كمية الانتاج الزراعي وبالتالي الغذائي. وأحياناً الحصار الذي يُفرض على بعض الدول نتيجة ظروف الاحتلال والصراعات والنزاعات في المنطقة يؤثر على كمية الغذاء فتضطر الدول الى الاستيراد وهذا ما قد يؤدي الى ارتفاع مستوى سوء التغذية أو انعدام الأمن الغذائي كما حصل لأطفال العراق ويحصل لليمن اليوم خاصة لدى الطبقات الفقيرة.
 هذا الواقع الذي يبعث على التحضير للمستقبل؛ دفع بالكاتب، أيضًا، الى إطلاق صفّارة الانذار معتبراً أن المياه حياة الشعوب وبدونها تختفي شعوب وحضارات كما حصل لحضارة شعوب المايا التي اختفت عندما لم تعد هناك مقوّمات لوجودها.
 وقد شاركت أكاديمية علوم ما وراء البحار في توقيع هذا الكتاب الذي نفذ منذ بداية حفل التوقيع وأصبح مرجعًا معتمدًا في فرنسا في القضايا المتصلة بالمياه.
 هنيئًا للبنان بمدير عام من أمثال الباحث العلمي والأكاديمي الدكتور فادي قمير وهنيئًا للمكتبة اللبنانية والعربية والاوروبية بمؤلف جديد يُغنيها بما استقاه الرجل الكبير من مسيرته العلمية والعملية الحافلة بالتجارب الناجحة.

 * الامين العام السابق لإتحاد المحامين العرب