بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 كانون الثاني 2021 12:00ص رحيل من أدرك فقه النعمة الدكتور عبد الإله ميقاتي

الراحل د. عبد الإله ميقاتي الراحل د. عبد الإله ميقاتي
حجم الخط
في ظل الموت تشتعل الحياة عند رحيل من أدرك فقه النعمة وتابع مسيرة العرب، فاشتعال الكلمات الإيمانية في خواطر تكللت بالمعرفة الخاصة بالإيمان أولا وهو من الأسس الإنسانية الشاملة في حياة الفرد الذي يؤمن بوجود الله، ويدرك اننا في نهاية الطريق الحياتي تجمعنا المحبة على خدمة الإنسانية دون تفريق بين الأديان. فالمؤمنون اخوة في الحياة وأحبّة في مشوارهم القصير.. فلا أدري هل أودّعك.. أم أرثيك... أم أبكيك.. أم أتذكّرك?...

هل أعدد محاسنك وأخلاقك الطيبة أم أذكر حسن استقبالك للآخرين من كل الطبقات الاجتماعية? هل أفتح ذاكرتي عندما قرأت لي من كتابك خواطر إيمانية ما يجعل من الحب لغة إنسانية تجمعنا على السلام الذي بحثت عنه طيلة حياتك في هدوء مهيب وبصمت جبار لا يستطيعه إلا من تحلّى بأخلاق نبي سار على نهجه، وحافظ على سنّته بعيدا عن الترف والكبرياء فتواضعت ونحن من الشاهدين. وقلت لي الكتابة في معاني الإيمان بحر لا ينتهي، وخواطري نبعت من قلب ما أحب إلا الله. فطويت روايتي يومها وتركتها على مكتبك خجلا من رجل أبحر في حب الله وابتعد عن سوى ذلك.

ما زال صوتك يشتعل في ذاكرتي كروحك التي تضيء الكلمات الإيمانية في كتب هي الروح الحقيقية التي تحيا في حياة غادرتها حاملا خواطرك كضوء تنير به القلوب المعتمة الخالية من الحب الحقيقي للّه، لتزرع الإيمان على دروب شائكة استطعت أن تمشي فيها لتنتزع الآفات بصبر وتؤدّة بعيدا عن الضجيج الإعلامي وحتى عن المجاملات التي لا تغني ولا تسمن من جوع. فهل ودّعتنا? أم حاولت أن نرى ما رأيته وأدركته?

في كتابك «خواطر إيمانية» تقول:سُئل أعرابي عن الدليل على وجود الخالق، فقال: البعرة تدلّ على البعير، والروث على الحمير، وآثار الأقدام على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، أما تدل على الحليم العليم القدير. (الرازي ج 2، ص 333 – 334).

عندما خلق الله تعالى الأرض، جعل فيها الجبال رواسيَ، وجعل فيها البحار والأنهار، وخلق الحيوان والنبات وسخّر كل ذلك للإنسان الذي خلقه بعد ذلك، وجعله خليفةً في الأرض، ليعمّرها بالعلم الذي علّمه بداية لآدم، وجعل أداة تطويره فيما بعد على يد هذا الإنسان الذي هداه وبيّن له الطريق الذي عليه أن يسلكه: إما إلى خيرٍ فلنفسه، أو إلى شرٍّ فعليها.

خلق الله تعالى الإنسان من تراب، وجعل الموت حقاً على كل إنسان «كل نفس ذائقة الموت»، ليعود إلى التراب الذي بدأ منه. وجعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهين، وكرّمه على سائر مخلوقاته الأخرى، في خلقه وتكوينه.. وفي كل ذلك إعجاز يفوق كل وصف...»، من كتاب «خواطر إيمانية» الذي تركته في حياة غادرتها وأبقيت فيها ما أردته أن يزهر إيمانا وحبا. فهل أرثيك أم أودّعك؟...

رحيل وضع في يدي كتبك مجدداً لأمشي بين كلمات أضاءت ما حولها، فشاء القدر أن اقرأها وأنت حيث شئت أن تكون في دار البقاء وحيث اليقين بنعمة الله التي لا تزول عن عباده المؤمنين. فهل سندرك فقه النعمة كما أدركتها? وهل غادرت لتبقى في حقيقة لا شك فيها؟