بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 حزيران 2022 12:00ص سيف الرحبي «في النور المنبعث من نبوءة الغراب»

حجم الخط
شدّني «النور المنبعث من نبوءة الغراب» للشاعر العماني «سيف الرحبي» وجعلني أتنبّه الى النزعة التحليلية لواقع يراه ثقافيا، ويضعه تحت براثن الكلمة العميقة والمؤثرة أدبيا بتحولاتها كافة مرتكزاً على الحس الإنساني أولا منطلقاً من المحيط الذي يتشكّل أمامه كقصيدة تتكوّن وتنمو كجنين ينتظر ولادته. إذ أوضح هو بنفسه في مقدمة كتابه الصادر عن منشورات الجمل عن منطق الصدمة وعن «أهل الثقافة والفكر والفلسفة المسكونين بقلق البحث العاصف والسؤال» فهل المستوى البلاغي ما بين سرديات وشاعرية هي تحولات ترتكز على العناوين وقدرة تشكيل ملامحها ضمن بنية الموضوع وبنية لغوية لها حضورها؟ أم هي رصد شعري واضح يرزح تحت وطأة من «أخطأه سهم الموت» وحاصرته الأبدية المثيرة لحدث هو الوباء الذي استفز الحس الحياتي عند الشاعر سيف الرحبي متخطياً حواجز الحياة الى أخرى أكثر اتساعاُ تمتد عبر صفحات كتابه النور المنبعث من نبوءة الغراب الذي وارى سوءة الإنسان أو الذي علّم الإنسان كيف يخفي ما ارتكبه من أخطاء، وضمن فلسفة النور ونقيضه مجازيا بالغراب ورمزيته التشاؤمية المخفية أو المستبطنة. إذ يطرح إشكالية الخلفيات الشعرية التي تُفهم بالنعاس والموت والعدم وبالغراب الوحيد «غراب وحيد، ينعق فوق شجرة (البيذام)/ كأنما يستغيث/ نعيقه المفعم بالرؤى والسواد» وفق تأملات داخلية توحّدت معها الرؤى الحياتية في زمن الوباء الكوروني أو الأحرى كل ما يتعارض في الظاهر مع باطن الحقيقة التي أدّت الى التأمل الغريب لكل الصورالإيجابية والسلبية، ففي «بضعة غربان تنقر بصمت أشلاء أسماك السردين» تحديد لما هو فاصل بين طبيعة الغراب الذي يتغذّى على الأشلاء والمرض الذي أنهك البشرية ودفع شاعرنا الى الكتابة عن تأمّلاته العميقة بما أدرجه في مراقبة حياته اليومية متنقلا بين السرد والشعر، مكملا تناقضات الإحساس في واقع قادنا جدلياً الى كل هذه الاختلافات التي تعطينا قوة نورانية رغم ظلامية الحدث والالتحام التراجيدي مع الغراب الذي يصحح أخطاء ما كانت لتكون لولا فعل الإنسان وتعددية أفعاله التي يرتكبها مكرراً ما نهيّ عنه. فهل يفصل سيف الرحبي بين ما استثاره الوباء فيه وبين كل ما تشكّل أمامه من تصورات هي قصيدة كتبها على شرفة دمشقية؟
يفتح الرحبي أبواب الحاضر على ذاكرة لا حاضرة ولا غائبة، بل تتسم الآن أو لحظة القراءة التي حفظت الحدث الغريب غير المتخيّل وهو أشبه بواقع انبثق من حس شاعر. إذ لا يمكن تصديقة أو كما يصفه بجنازة العالم والذي تشكّل تلقائيا عند انتشار الفيروس الكوروني الذي فرض كل هذه التأملات، بل وحفر في العمق كل ما هو من الماضي، ومن المستقبل الذي فجّر براكينه قبل وصوله، ليكون شبحيا يطلّ بحنينه على نبوءات ما هي إلا من الأساطير التي قد يتم تصديقها أو انكارها أو حتى نبوءات ذات بصيرة مستمدة من آيات قرآنية يتبيّن صورها أو واقعيتها بتؤدة المتبصر المندهش من قدرتها على ما تحقق من كابوسية هذا الوباء المستبد الذي ذكره بحضارات متعددة لكل منها حدثها الذي لم يعصمها من أمر الله. إذ وظّف الآية 43 من «سورة هود» توظيفا دلاليا تماهى معه بعيدا عن الحكايات الخرافية. إذ انطلقت النزعة الشعرية وأعادت ترتيب المشهد الكوروني في سرديات وقصائد ارتبطت بالمصير الحتمي لشاعر استوقفته التفاصيل متسائلا عن كيفية تحليق النسور بحريّة في مغارة، بينما الحنين قذف به الى الماضي مستخرجا منه الكثير من التفاصيل الزمنية أو الوبائية أو حتى الشبيهة بذلك. فهل يتمرّد الشاعر على العزلة بعزلة أخرى يستكشف فيها وحدته وما تحتوي من توق حياتي لما اعتزله وتم تكوينه في النور المنبعث من نبوءة الغراب؟