بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 نيسان 2020 12:00ص شفيق جدايل: كبير المُذيعين (الحلقة الثالثة)

شفيق جدايل في النقل الإذاعي المباشر شفيق جدايل في النقل الإذاعي المباشر
حجم الخط
أعدَّ شفيق جدايل مجموعة كبيرة من البرامج الإذاعيَّة؛ منها ما كان لغويَّ الطَّابع ومنها ما كان أدبيَّ التَّوجُّه أو وطنيَّ المنحى؛ فضلاً عن كثيرٍ من المسابقات الثَّقافيَّة. ولعلَّ برنامجه «اسم فعل حرف»، الذي يسعى إلى تيسير دَرْسِ اللُّغة العربيَّة وتقديم هذا الدَّرس بأسلوبٍ ممتِعٍ جَذَّابٍ، يُعتبرُ من أشهر البرامج الإذاعيَّة التَّعليميَّةِ وأطولها عُمراً في تلك المرحلة.

وضع الأستاذ جدايل للإذاعة، كذلك عدداً من التَّمثيليَّات والأدعيةِ الإذاعيَّة؛ ومن هذه الأدعيَّة نصوص إبتهاليَّةٌ إيمانيَّة ما برحت الإذاعة اللُّبنانيَّة، وسواها من الإذاعات، تَبُثُّها في شهر رمضان المبارك من كلِّ سنة. ومن جهةٍ أخرى، كان الأستاذ جدايل مؤسِّساً لنشاطِ النَّقلِ الإذاعيِّ المباشر؛ ولقد شكَّل جدايلٌ، في هذا، مدرسةً له انماز بها، وكانت مِثالاً يُحتذى في دقَّة الوصف وجماليَّة التَّعبير وفصاحة اللُّغة. واشتُهِر له نقله الأسبوعيُّ لوقائع صَلاتَيْ يوم الجمعة وخطبتها وكذلك قداديس يوم الأحد من مساجد بيروت وكنائسها كما من سائر المناطق اللبنانيَّة عامَّة. وكان في نقله لهذه الوقائع، يعتمد أسلوب التَّصوير الفنيِّ الجماليِّ للأحداث بالكلمات؛ وكأنَّ كلماته وتعابيره اللفظيَّة هذه تأخذُ محلَّ التَّصوير التِّلفزيوني الذي لم يكن معروفاً في البلاد. وعُرِفَ عنِ الأستاذ جدايل، كذاك، نَقْلُهُ المباشِر لإذاعةِ حفلاتِ سَحْبِ نتائجِ «اليانصيب الوطنيِّ اللبنانيِّ»، وامتاز في هذا النَّقل بِعَرْضِهِ الإذاعيِّ الصَّوتيِّ لأرقام النَّتائج بدقَّةٍ ووضوحٍ ويُسْر من دون الاستغناء عن بلاغةِ الوصفِ وجمالِ الأداءِ ورقَّته. واشتُهر شفيق جدايل بنقله الإذاعي المباشِر للاحتفالات الوطنيَّة الكبرى، مثل «استعراض الجيش» في عيد الاستقلال، والاحتفال بـ «ذكرى الشُّهداء» في كلِّ سادس من شهرِ أيَّار، فضلاً عن الحفلِ السَّنويِّ لافتِتاحِ «مُخيَّمِ الكشَّافِ المُسلِم» والنَقْلِ الموسميِّ لِوقائع «شعائرِ الحجِّ» من على جبل عَرَفَة، وسوى ذلك من المُناسبات. والأهمُّ في كلِّ هذا أنَّ شفيق جدايل كان يقوم، في زمنٍ لم يكنْ النَّقل التِّلفزيوني حاضراُ فيه في لبنان، بِلُغَتِهِ العربيَّة الفُصحى وسلاسةِ تعبيرهِ وجماليَّةِ ألفاظهِ وروعةِ بيانه وبالأكثر عذوبة من تنغيمات صوته، بما تعجز الكاميرا التِّلفزيونيَّة عن نقل جماليَّة حصوله من الأحداث؛ ولعلَّه يفوق في هذا ما قد يجْهَدُ بعض المذيعين اليوم القيام به بمساعدة الكاميرا أو الاستعانة بتعليقات وأوصاف تغلب فيها المحكيَّة على الفصحى بدعوى التَّيسير والتَّقريب.

كان شفيق جدايل، بأدائه الإذاعيِّ، أستاذ مدرسة وطنيَّة عربيَّةٍ في تعليم العربيَّة الفصحى إنشاءً وأداءً؛ وثمَّةَ أجيال كاملة من مستمعي الإذاعة اللبنانيَّة، ومعظمهم لم يتسنَّ لكثيرين منهم اللقاء الشَّخصي المباشر معه، قد تَلْمَذوا عليه في هذا المجال الرَّحب والجميل من مجالات العربيَّة الفصحى إنشاءً وإلقاءً. وهنا يقف «الصَّوت»، صوت شفيق جدايل، فوق واحدة من أعلى ذرى حضوره الوطني والعربي والإذاعي، المذيع معلِّم العربيَّة والقدوة الأجمل لمحبِّيها والنَّاهدين إلى عليائها. ولذا، فقد كان طبيعيَّاً جدَّاً أن يلَقَّب الأستاذ شفيق جدايل بـ «شيخ المذيعين العرب» و«عميد المذيعين»؛ فضلاً عن أنَّه، كانَ وما برح، أفضل من حمل لقب «كبير مُذيعي الإذاعة اللبنانيَّة». ولقد تسنَّى له أن يقدِّمَ النَّقل التِّلفزيونيِّ المباشر في السنين الأخيرة من حياته؛ فكان لكثيرين حظُّ التَّعرُّف إليه صوتاً وصورةً، بعد أنْ عرفوه صوتاً من خلال البثِّ الإذاعيِّ.

  رئيس المركز الثقافي الإسلامي