بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 حزيران 2022 12:00ص صالح الأشمر في (حب لكل الفصول).. حب اليافعين

غلاف الكتاب غلاف الكتاب
حجم الخط
لا يعدو الحب، أن يقول لنا، منذ الطفولة وحتى اليفاعة والفتوّة والشباب والرجولة: «كون كونك» وحسب..
ذلك لأن «الحب» وحده، هو الذي يمرحل الزمن لصاحبه، ويعطيه في كل وقت ظلّه، تماما مثل الشمس: في الشروق وفي الضحى وفي الظهيرة وفي العصر وفي الغروب.
تجاوز الحب مرحلة الفجر، لأنها مرحلة تكوينية في عتمة الليل، في عتمة الرحم، تماما مثلما تجاوز مرحلة العشية، لأنها تأذن له بالدخول في عتمة الليل، والتسلل من جديد، إلى عتمة الرحم. فالعتمة ابتداء تكويني، وهو كذلك إنتهاء تكويني، ليبتدئ التكوين الجديد.
الحب إذاً مثل الشمس، فصول نهارية طبيعية، تتمرحل مع زمن الشمس. أَوَليس الحب نفسه، هو شمس صاحبه؟! أوليس هو آنيته.. وبه يتم التكوين، من خلال الإناء: إناء الحب الذي تلوّن فيه، بتلوّن الشمس، في تمرحلها عليه؟!
وحده صالح الأشمر، تجرّأ على الحب، صنع له معجزة، فضضته.. صنع من شمسه الذهبية، شمسا فضية، تتأبد في الفصول جميعا، تلك التي تدور عليها الشمس، جعل للحب شمسا فضية. لعب بالألوان، كما الفنان التشكيلي، وشكّل من ذهب الشمس، من ذهب الحب، لونا فضيا يتخلل جميع الفصول، يناسب كل الأعمار. لونا مجازيا، لا يرى بالعين المجردة، وإنما يلي البدن مباشرة.. ليدعْ يد الشمس الذهبية، تقول بعد ذلك، ما تقول.
يجدّد صالح الأشمر لون الحب، في ديوانه: «حب لكل الفصول» - منشورات دار الجمل، بيروت - بغداد 2020: (160ص تقريبا)، تتصدرها مقدمة وافية، بقلم الشاعر الصديق د. محمد علي شمس الدين. يقدّم للعشاق من كل الأعمار، أنواعا من الفرص. يريد أن يجدّد مكتباتهم الشعرية المنزلية.. يرفدها بأحدث قصصه وأخباره ورواياته، يطعّمها بأنفاسه الخاصة، يصوغ منها شعرا فضيا، يفضض به العمر، كما تفضض الشمس الأرض، تحت مطر الحب، يوم دجّنها. يقول الشاعر، في رباعيته «أيقونة- ص16»:
(حرّة أنت ودنياك لك/ والأماني كلها في يدك.
زهرة ريّانة فوّاحة/ تنشي الروح بزاكي عطرك.
أنت في دنيا الهوى أيقونة/ سائر الأنظار ترنو إليك.
ليت لي تعويذة سحرية/ تردع العشاق أن يغرّوا بك).
أليس الحب عند صالح الأشمر، دجّن صاحبه، وتحوّله عن القصف والعصف و اللمعان والبروق، وشدّة القيظ، إلى صحو صفاء الكوثر واللجين..جزر ولا مد.
هذه المجموعة الشعرية، التي تضم رباعياته، هي منتقى أوراق الشعر الذي قطعها، بل هي منتقى أوراق العمر الذي قطعه، لا فرق عند صالح الأشمر، بين العمر وبين الشعر. فمثلما يعبر العمر كل الفصول، أراد لظله/ الشعر، أن يسلك معه، في رحلة دؤوبة، يقطع فيها جميع مراحل العمر، على أساس من وحدة النفس و«متلازمتها»، التي هي وحدة الشعر. يقول في «واقع الحال- ص30»:
(واهم أو جاهل لا أكثر/ كل من ظنّ محبّا يكبر.
مثل طفل ليس يعصي أهله/ يتبع المحبوب في ما يأمر.
ضائع ما بين سخط ورضى/ لا يبالي بالذي ينتظر.
لا تحاول هديه أو لومه/ ذنب من يهديه لا يغتفر).
رباعيات متخصصة، في جميع ألوان وأنواع وسياقات الحب، يقدّمها الشاعر، صالح الأشمر، كجواد أصيل، لم يبلغ الغلوة بعد.. أو كقلب لم يمتلئ بعد بالحب. تعوّد أن يحتفظ في «قرارة كأسه شيئا لغده»، لأن صالح الأشمر - شاعرا- يعد كل يوم نفسه بالغد الأجمل، بالحب الأجمل، يتدرّج في الحب، حتى يجعل منه ثوبا ورديا، كما بدنه المتثاقل، لكل العمر. نسمعه في «يا حب مهلا - 62»:
(يا حب قل لي علام اليوم تنساني؟/ تمرّ قربي وتمضي نحو خلّاني.
كأنني لم أكن ذا صبوة قدما/ ولم أصنك بأهدابي وأجفاني.
رعيت عهدك والأيام مقبلة/ كيما إذا إنصرمت بالود ترعاني.
رفيق عمري ترفق إنني رجل/ شماتة الغيد بي والموت سيان).
ديوان صالح الأشمر: «حب لكل الفصول»، يخصص مجموعة من الرباعيات، تم إختيار موضوعاتها بعناية، لتجمع بين الجوانب التعليمية لفن الحب، لدى اليافعين، ليكتب فيها «حب اليافعين». فهؤلاء، أحوج ما يكونون، لمن يجني لهم عطر الحب، ويقدّمه لهم باقات من الزهر والورد. يقول في «قواعد العشق- 81»:
(الهمس واللمس والتنهيد والقبل/ قواعد العشق حتما ما لها بدل..
الكل يعرفها والكل يطلبها/ ولا يماري بها إلا الفتى الخجل..
ومن تسامى عن مآربه/ حتى يقال له: أفصح أيا رجل..
إن الوصال تديم العشق متعته/ من دونها لم يكن عشق ولا غزل).
استطاع الشاعر صالح الأشمر، أن يصوّر لنا إنغماس اليافعين في الحب بكل عفوية. فإذا ما تعثّروا، نراه يأخذ بيدهم، ويقيلهم من عثراتهم، ويعيد لهم تعبيد الطريق مرة ثانية، ويدعوهم بكل ثقة، إلى موسم جديد من الحب، إلى طريقة جديدة من فن الحب.
تضم رباعيات صالح الأشمر، في هذا الديوان الأثير، وليس الأخير، بانوراما ملونة من جميع ألوان وفنون الحب، والتي تبلغ زهاء: (115 رباعية، تقريبا)، بالإضافة إلى مقدمة بقلم د. محمد علي شمس الدين، كما أسلفنا القول سابقا، وهي متنوعة في فنون الحب.. وكأن الشاعر أراد منها تصوير أحوال العاشق، وتقديم دربة إرتجالية له، لتصاحبه مدى العمر. فهو يقتصر في ديوانه على الأساسيات الضرورية للمحبين والعشاق، حتى يجتازوا أنفاق الحب، تماما مثلما هم يجتازون يوميا أنفاق العمر. يضع أمامهم خبرته.. يعلّمهم أسرار الحب، من خلال الرباعيات التي تأخذ طابعا تعليميا إبتدائيا ضروريا، قبل الوصول إلى «مصلحة العشق»، حيث «مصلحة تسجيل المركبات»، وخلع أثوابهم الخارجية جانبا «للمعاينة الميكانيكية». والإحتفاظ فقط، بأثوابهم البدائية، أثواب الحب التي فطروا عليها، تلك التي تحدّث عنها «كارل يونغ»، ووضع حدّا لعمرها، قدره بخمسة آلاف سنة، على أقل تقدير.
إن قراءة تجربة حسيّة حميمة، أهم بكثير مما نلمسه في القصائد العصماء ذات النقول المجرّدة لعقولنا. إنها من نوع «الخصائص الشمية» للكتب العتيقة في المكتبات.. بحيث تسير الرباعية والأجساد معا، وهنا تكمن براعة صديقنا العتيق الشاعر صالح الأشمر.
فالأعمدة الرباعية لدى شاعرنا صالح الأشمر، شبيهة بما لدى الإنسان، حتى لتبدو كأنها توأمه. فترى أعمدتها الرباعية الطويلة، تبرز لتهدم أعمارنا. كأن صالح الأشمر حاول أن يجلد ديوانه «حب لكل الفصول»، بالجلد البشري، بجلودنا، بجلود المحبين، بجلود عشاق الشعر، تماما كما كان يفعل القدماء المهووسون بتحف مكتوباتهم ومطوياتهم السحرية، من فرط الخشية.
فالحب عند صالح الأشمر، لا سيما ما كان منه غير مقصود، قد يهبط إلى أعماق لا عقلانية، ويتخذ هناك صورا متعدد له. ولهذا فنحن نرى في رباعيات، صالح الأشمر، ما يمكن أن تكون خطرة للغاية على أجيال المحبين، بقدر ما تكون خيّرة عليهم. ففي رباعياته، ما أستطيع أن أسمّيه «الفجواتية» العميقة، وما يمكن أن أسمّيه أيضا «الإستطاعة السلبية»، وهي القدرة على التعايش مع الشكوك وألوان الغموض، والشعور كم هو مهم، ذلك لفهم واقع وضعنا الإنساني، في طواحين الهوى والعشق والحب.
أستاذ في الجامعة اللبنانية
أخبار ذات صلة