فجعت برحيل بلبل الشرق الغرّيد صباح فخري وأنا أجول في الولايات المتحدة محاضرا عن الفنون والآداب...
صباح فخري هزار الشرق المبدع المجيد، ملأ أجواء الفن ألحانا رخيمة ساحرة، ورنّح الأعطاف، بجمال صوته، وصفاء حنجرته، وبما منحه الله من مواهب فنية أصيلة، جعلته في مقدمة المطربين مكانة، وأذاعت له في دنيا العرب وخارجها، شهرة واسعة معطّرة بنفحات الحب والمباهاة.
استمال بصوته الحنون جماهير المستمعين، وأثّر بنغماته العذبة في القلوب والخواطر، ونشر الصفو والأنس والمرح حيث وجد انه من أقوى المطربين العرب، في مجالات الإبداع، وأكثرهم تمسّكا بتراثنا الفني الحافل بالرقّة والروعة والانسجام، والغني بالألحان المبتكرة الآخاذة.
سنفتقد حضوره الآسر في هذه الأزمنة من التميّع الذي يسمّونه تجديدا، والنغمات الرخوة المهلهلة المزعجة، يزعمون انها فتح في دنيا الفن، والفن منها براء!!
سأذكر ما حييت أغانيه التي لا تحتاج الى الصورة الباهرة. ذلك انني من المؤمنين بأصالة الفن وسمو العاطفة ومن المجاهرين بأن في بلادنا مواهب نادرة ومطربين أقوياء شأنهم أن يخلّبوا الألباب ويثيرون الإعجاب.
في فصل «اسقِ العطاش» الذي بلغ به الكبير صباح فخري وفرقته المنتقاة من أشهر الهواة، أوجّ الإبداع، صوفية أركن إليها ونفحات وادعة وصور شعرية كلها شوق وحنين وهيام.
أرجو لفقيدنا الغالي حيّزا ما بين الصدّيقين وأن يحظى في أمسياتنا الصاخبة و/أو البائسة بما هو جدير به من قدر وإقبال وإكرام.
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه، باريس