بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 شباط 2020 12:03ص صفقة القرن وصفعة الثقافة

حجم الخط
أخيراً ذاب الثلج وبانَ المرج... وكشف ما كان مستوراً مكشوفاً... وقف رئيس أقوى دولة في العالم ليعلن بكل صفاقة الشوفينية إنهاء القضية الفلسطينية، وفي كل ما أعلن من تجميل وخرائط لا يغيّر في الأمر إلا احتيالاً ونفاقاً...

قبلها وقف ممثل أقوى دولة في العالم آنذاك (الامبراطورية التي لا تغيب عن أرضها الشمس) مستر بلفور سنة 1917 ليعلن على العالم الموافقة على إنشاء دولة لليهود في فلسطين.

ما أعلنه ترامب هو تأكيد لما أعلنه بلفور قبل ما يقارب المائة عام، وخلال هذه المدة الزمنية الفاصلة بين الإعلانين كانت حروب ومواقف ومتغيّرات ونقل بيادق شطرنج من موقع إلى آخر ومخططات منها الاستراتيجي ومنها التكتيكي تلعب بمصائر وأحوال شعوب المنطقة الممتدة ما بين المحيط والخليج، على أن تؤدّي إلى تنفيذ الوعدين الأسودين، لكن السؤال يكمن في صيغة ماذا عن ردّات فعل البشر المقيّدين في هذا الجزء من العالم؟؟..

الشعوب لم تقصّر في تقديم تضحياتها لمقارعة ما وعد به من لا يملك لمن لا يستحق، ففي الحروب التي جرت إنطلاقاً من ثورة سنة 1936 في فلسطين مروراً بـ الـ 1948 والـ 1956 والـ 1973 سالت دماء غزيرة من شباب العرب دفاعاً عن قضية تعني نسغ الأمة ومصيرها، أما موقف أنظمة الحكم فله حديث آخر.

ما يعنينا ماذا كان الدور الثقافي العربي خلال كل هذا الصراع؟.. هل قامت الثقافة بدورها؟...

برأينا انه كان هناك جعجعة ولم يكن هناك طحيناً، سيول من القصائد والخطابات وانعدام في اتجاه الجهد الثقافي ناحية التوعية الجماهيرية حتى وصل الأمر الى انتقاد البعض لما سمّي بالأدب الملتزم، وكان ان تعاقبت أجيال يتقزم معها حجم القضية وأهميتها المصيرية.

لا لم تقم الثقافة بدورها... والدليل هو إجراء إستفتاء شبابي لما يعرف جيل اليوم عن فلسطين وقضيتها، ولن تكون النتيجة مفاجأة بل متوقعة من نسبة الجهل المتفشّية والتي تشكّل اصبع اتهام يتجه مباشرة إلى العمل الثقافي العربي في كل مكان.

قد يقول قائل انها مشكلة أنظمة وبرامج تربوية رسمية الخ... ولكن وعي الشعوب يشكّل درعاً واقياً في وجه كل تآمر ان حصل أو تقصير...

ولا يشكّل هذا الوعي إلا العمل الثقافي..

هل يعني ذلك التسليم بالأمر الواقع؟..

بالطبع لا، ففي تاريخ هذه الأمة ما يجعل ينابيع الوعي تتفجّر في أية لحظة إنطلاقاً من تاريخها وتراثها... فكما تحرّرت القدس سابقاً ستتحرّر لاحقاً ولن تكون هجمة اليوم أكثر شراسة من هجمة الصليبيين والتتار، وما أعلنه ترامب يجب أن يكون جرس إيقاظ لمثقفي الأمة للنهوض والقيام بالدور المنوط بهم وإلا سيستحقون لعنة التاريخ..