بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 آب 2022 12:00ص صناعة العصابات

حجم الخط
أقدم صناعة في التاريخ، كانت صناعة العصابات. سبقت صناعة الميليشيات والعصابات، صناعة الجيوش بآلاف السنين، ونافت عنها، حتى بعد ظهور الجيوش الصغيرة والجرارة، في التاريخ القديم والحديث. إتخذها النساء، قبل الرجال، في العصر الأموي الطوطمي، قبل العصر البطريركي الأبوي، حاجة متقدمة، لحماية المجتمعات من شتى أنواع التعديات، التي كانت تتربص بها، من جهة الوحوش، ومن جهة المغيرين عليها، من سائر المجتمعات التي كانت تقع فيما بينها مختلف أنواع العداوات.
كانت عصابات النساء قديمة النشأة. وكانت عصابات الرجال قديمة النشأة أيضا. كانت المرأة، كما الرجل، كلما إشتدّ طموح النفس، وعظمت آياته، وجعلته يحتاج إلى القوة، وفائض القوة، لمما ينذر بتأسيس عصابة، تسهّل الدرب إلى «القبضنة» و الزعامة الطاغية.
ما كانت المرأة أقلّ قبضنة من الرجل، إذا ما طمحت إلى «القبضنة»، كانت السبيل الأخيرة لتحقيق النفوذ وبسط الهيمنة.
كان عمود العهد القبلي يقوم على القبضنة، وتأسيس عصابة، تشتغل بالغارات المأجورة وغير المأجورة، لمصلحة سادات القبائل. وكانت هذه العصابات، تتعلم حرب العصابات، في الكرّ والفرّ، وفي توجيه الضربات القاصمة للظهر، تماما مثلما كانت تتعلم المناورات، حين يكون الأمر مع الأهداف، يحتاج إلى المناورة.
في العصر الحجري، كما في العصرين الصناعي والتجاري، كانت المجتمعات تنشئ لنفسها بعض العصابات، ترد بها طيش من يريد استهدافها بنهب أو بسلب، أو بغضب، بهدف الإذلال والقهر، حتى تصير تحتها، وحتى تجعلها تؤوب إلى كنفها، ولو بالقوة الغاشمة العمياء.
في العصر الجاهلي، كما في العصر الإسلامي الأول والثاني والثالث، حتى زوال خلافة بني العباس، ما تراجعت «القبضنة» في نفوس الرجال، ولا في نفوس النساء. كأنها كانت تظهر، حين تأخذ إمارات فائض القوة بالظهور، أو حين يكون الأمر مع الناس، شديد الإلتباس. بحيث يبدو خليطا مريرا، من الحقائق والأوهام.
لم تتراجع عقدة «القبضنة» في النفوس، بعد قيام الدول، وبناء الجيوش. وكانت القيادات تعتمدها لإذلال الخصوم وقهرها، وبسط الغلبة عليها. فإتخذ قادة الجيش العصابات، لتأديب الخارجين عن الطاعة، وتأديبهم، وتسجيل القضية ضد مجهول. ثم تطورت خدمات العصابات للزعامات وللقيادات، بحيث كانت تغير على الزروع والمتاجر. تغير على القوافل، وبيوت رجال القوافل وسائر الأغنياء، لأجل صيد الغنائم والهرب بها إلى أسيادهم، تماما كما تفعل كلاب الصيد.
رجال العصابات في عصرنا، لم يختلفوا ولو بنقطة واحدة عن رجال العصابات، في أقدم الأزمان. تراهم يغيرون لمصلحة القيادات في الدولة، لمصلحة القيادات في السلطة، لمصلحة القيادات في الأحزاب. فترى رجال العصابات يتماهون في أعمالهم مع رجال الميليشيات، إن في الإغارة، أو في الاستهداف، أو في السلب، أو في النهب. حتى صارت أنواع الترويع من إختصاصهم.. حتى صارت أعمال نهب المال الخاص، كما المال العام من إختصاصهم. فصارت الدولة على شفا الإفلاس.
لا تختلف العصابات كثيرا، عن اللصوص. ولا تختلف كثيرا عن الأهداف السامية للميليشيات. ولا تختلف كثيرا، عن الأهداف السامية للفرق السرية المسلحة، في الأجهزة، وفي الألوية، وفي الجيوش الصغيرة والكبيرة، والجيوش القاهرة.
فتشوا إذن عن أصل المشكلة في نفوس الطامعين والطامحين، ومن «يتمتعون» بروح «القبضنة». فتشوا عن هؤلاء الأنذال الذين لا يشبعون لا من مال ولا من سلطان. فتشوا عن هذة الفئة التي تضرب المجتمعات، بأعمال اللصوصية وبأعمال العصابات، وبأعمال الميليشيات، لأنها تعشش اليوم في الدولة.. وهي أصل المشكلة.

أستاذ في الجامعة اللبنانية