اعتمد عارف الحبَّال لعبة «المصارعة»، ميداناً أساساً لاحترافه الرِّياضيِّ، واشتهر بأنه أحد أبرز أبطال هذه اللعبة في لبنان. لكنَّ ثمَّة جانب آخر، متمِّم للرياضيِّ في شخصيَّة عارف الحبال وحضوره؛ وهو جانب يتمثَّل في الاهتمام المعرفيِّ الأكَّاديمي بشؤون الرياضة وفنونها. ولعلَّ في هذا، ما شجَّع عارف الحبَّال على السَّفر، في ثلاثينات القرن العشرين، إلى ألمانيا؛ حيث تسنَّى له متابعة دوراتٍ ودروس في المجال الرياضيِّ؛ ليعود بعد ذلك وهو من أوائل اللبنانيين الذين جمعوا بين العلم والخبرة والرؤية في مجالات الرياضة البدنية.
كانت الرياضة، قبل عارف الحبال، كما يذكر كثيرٌ من معاصريه، مجرَّد لعب ولهو ومجالٍ لإظهارِ براعات جسديَّة وقوى عضلِيَّة؛ غير أنَّ الرياضة مع عارف الحبال تحوَّلت إلى ما تجاوز المفهوم العضلي واللياقة الجسديَّة، لتصير أيضاً، وبكل تقدير، أداة ثقافة وأسلوب تربية ومجالاً للسمو بالذَّات الإنسانيَّة إلى قمم من السموِّ الأخلاقيِّ والرقي المجتمعي.
ومن هنا، يمكن التَّأكيد أنَّ عارف الحبال، جمع في حضوره الرياضيِّ، بين الرياضة المباشرة والفكر والعمل المعرفيين والتَّنظيميَّين اللازمين لها. كان رياضيَّاً، ومدرِّباً ومدرِّساً وإداريَّاً في آن؛ فلا غرو، والحال كذلك، أن يعهد إليه بدايةً في وضع مشروع النظام الداخلي لاتحاد المصارعة ورفع الأثقال؛ ولا غرابة في أن يتولَّى، تالياً، مهام أمانة سر هذا الاتِّحاد، ولا عجب، بعد كلِّ هذا من أن يتبوَّأ المراكز العُليا في كلِّ ما أنتدب له من مهام وحمله من مسؤوليات. ولعلَّ كثيرين ممن عاصروه، أو سمعوا عنه من معاصريهِ، ما برحوا يذكرون كيف أن شهرة ابن بيروت، «عثمان العرب»، البطل في رفع الأثقال، ذاعت سنة 1933، إذ تمكَّن بتوجيهات مدرِّبه، عارف الحبَّال، من رفع 131 كلغ. ويؤكِّد ابن بيروت الآخر، «مليح عليوان»، البطل العالمي في كمال الأجسام ونائب أوَّل رئيس لـ «الاتحاد الدولي لكمال الأجسام في الشرق الأوسط IFBB»، أنه لطالما استفاد في بداية مسيرته، من المعلومات والتَّوجيهات ومقترحات التمارين الرياضية، التي كان يجدها في كتاب «أبطال الرياضة فى سوريا ولبنان»، الذي وضعه الأستاذ عارف الحبال.
أصدر عارف الحبَّال، بدءاً من سنة 1932، مجموعة من المؤلفات في مجالات الرياضة البدنيَّة؛ لعل من أبرزها، كتاب «الرياضة» مجموعة من المؤلفات، لعلَّ أولها كان «أبطال الرياضة فى سوريا ولبنان»، الذي نشرته «مطبعة وزنكوغراف المعرض»، في بيروت، سنة 1932؛ وكتاب «الرياضة الحديثة والشباب» - التمرينات البدنية لألعاب القوى، التمارين على الأجهزة، السَّباحة، الصادر في بيروت سنة 1947، وثمَّة نسخة منه في «مكتبة جامعة بيروت العربيَّة»، رقم تصنيفها (796.09562). ولأستاذ عارف الحبال مجموعة أخرى من المؤلفات، وضعها في مجالات الرياضة البدنيَّة المتخصصة، منها كتابا «الأهرام الرياضية الحديثة» و«ألعاب القوى في الجري»، وقد أصدرهما سنة 1958؛ فضلاً عن كتابي «ألعاب القوى في الرَّمي» و«ألعاب القوى في الوثب»، وقد صدرا سنة 1959.
حَظِي عارف الحبال، بزيارة بيت الله الحرام والمسجد النَّبوي الشَّريف، مؤدِيَّاً لفريضة الحاج؛ وصار يعرف بين أهله ومحبِّيه بلقب «الحاج عارف الحبَّال»؛ كما نال الأستاذ عارف الحبَّال وساماً تقديريَّاً من رئيس الوزراء اللبناني، دولة الرئيس رياض الصلح؛ وتذكر الدكتورة فاطمة الشَّامي قدّورة، في الصفحة 106، من كتابها «الدكتور عبد الله اليافي إنسان: قانوني ورجل دولة 1901 – 1986»، الصادر عن «دار الأندلس» في بيروت سنة 1985، فإنَّ دولة رئيس الوزراء اللبناني، الدكتور عبد الله اليافي، منح الأستاذ عارف الحبال وسام المعارف سنة 1966.
تزوَّج الأستاذ عارف الحبَّال من الآنسة «آمنة»، ابنة الشَّيخ أحمد صبرا؛ وأنجب منها تسعة أولاد، خمسة ذكورٍ وأربع أناث. وأمضى حياته في ميادين العمل الرياضيِّ، وظلَّ يمارس تدريس الرياضة البدنيَّة متنقلاً بين مدارس جمعيَّة المقاصد الخيريَّة الإسلاميَّة في بيروت، وبعض المدارس الأخرى، إلى أن وافته المنية، إثر أزمة قلبيَّة صاعقة، عاجلته خلال قيامه بالتَّدريس لتلاميذه في «كليَّة المقاصد - ثانوية الحرج»، صباح يوم الأربعاء الواقع فيه 6 تشرين الثاني 1968.
يروي الأستاذ محمَّد بركات، المدير العام السَّابق لدار الأيتام الإسلامية في لبنان، وقد كان من تلامذة عارف الحبال، طوال سنين عشرٍ من تلمذة طفولته وصباه، في مدرستي «بيت الأطفال» و«كلية المقاصد الخيرية الإسلامية - الحرش»، التابعتين لـ «جمعيَّة المقاصد الخيريَّة الإسلاميَّة في بيروت»، أنَّ الأستاذ عارف الحبال كان أستاذاً ضليعاً في معارفه الرياضيَّة، مثلما كان متمكِّناً ببراعةٍ عبقريَّة في مجالات تطبيقاتها العمليَّة. ويرى الأستاذ «بركات»، أن الأستاذ الحبَّال، انماز بحضور شخصيٍّ محبَّب؛ حتَّى صار الأثير عند التلاميذ، وبل إنه ما استمرَّ عزيزاً مكرَّماً منهم، حتَّى بعد مرور سنين طويلة من تخرّجهم.
اشتُهرت عن الأستاذ عارف الحبَّال، بين تلاميذه وزملائه في التَّعليم، صفَّارته التي ما كانت تفارقه؛ وما كان هو ليتوانى عن استخدامها، بطبقاتٍ صفيرها المتنوِّعة والمتعدّدة، من عاليةِ إلى منخفضة، ومن متَّصلةٍ إلى متقطِّعة، في إدارة تحركات التلاميذ في قاعة التمارين وفي باحة الاستراحة في المدرسة، على حدٍّ سواء. ويحفظ تلاميذ الأستاذ عارف الحبال له، بكثيرٍ من المحبَّةِ والوفاء، كما يذكر الأستاذ بركات، افتتاحه الثَّابت لدرس التَّمارين الرياضيَّة، بطقوسٍ لا بدَّ منها. تبدأ، هذه الطُّقوس، مع الأستاذ الحبال، وهي ما يعرف، عادة، بالتَّحمية؛ وذلك بتنظيم التَّنفس، شهيقاً وزفيراً، وفق إشارات يُصدرها الأستاذ من صفَّارته؛ ثم الانتقال، إلى ما يعرف بـ «الحركات السُّويديَّة»؛ ثمَّ يلي كلَّ هذا، التَّركيز موضوع الدَّرس المقرَّرِ وما يلحق به من تمارين تطبيقيَّة.
أراني اليوم، وقد غادَرَتْ سنيني كثيراً من الزَّهوِ البريء، الذي كان لها زمن طفولتي وصباي؛ فإنِّي ما برحتُ أجد نفسي ترتعُ، في فرح الحضور الذي كان لها صحبةَ الأستاذ عارف الحبَّال؛ أكان ذلك في ملعب المدرسة، أو عبر صوته في «الرَّاديو». ما زلتُ آنسُ، رغم ما بتُّ أجده في برامج التلفزيون، وما قد يتوافَرُ لي، عبر الانترنت وسائر وسائط التواصل المعاصرة؛ من غزارة تمارين الرياضة وتنوّعها وشمولها وربما علميتها؛ ورغم ما تعرَّفتُ عليهِ، من أولادي، وما بتُّ الآن أتعرَفُ عليه، عبر أحفادي، من أساليب تنفيذٍ معاصرةٍ للتمارين الرياضية؛ فإنِّي سأبقى أجدُ أبَّهةً خلاَّبة، لتلك التمارين التي كانت لي بتوجيهِ عارف الحبَّال؛ وما برحتُ أجوبُ، في غبطة نشوى، أفياء صدى إيقاع صافرته، متقطِّعاً ومتواصلاً وعالياً ومنخفضاً، في أفياء ذاكرتي!
رئيس المركز الثقافي الإسلامي