بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 كانون الثاني 2023 12:00ص عام 2022 وهجرة اللوحة اللبنانية بمقاربات جمالية أبعد من حدود الفن والسياسة

د. رويدا الرافعي د. رويدا الرافعي
حجم الخط
أجبرت اللوحة اللبنانية متذوق الفن التشكيلي إلى النظر إليها من منظور إنساني عالمي بعيداً عن المنظور الفردي عادة الذي يتشكل تبعا من معاناة الفنان في ظل الأزمة الاقتصادية التي أصابت العالم كافة ولبنان بشكل خاص، فتخطّت بذلك التجمعات الحسّاسة وعبرت إلى حيث يمكنها فرض تحديات الصورة النمطية للفن اللبناني الذي هاجر بفنه بشكل خاص، حيث غادرت الكثير من اللوحات مع المغتربين الذي أنعشوا الفن اللبناني بصورة خاصة، فهجرة اللوحة اللبنانية تسمح بفهم الحركة التشكيلية اللبنانية عام 2022 والتي قالت عنها الفنانة التشكيلية الدكتورة رويدا الرافعي: «الحماس والإندفاع أكبر من التسويق وكأن الفنان يعيش في دوامة كبرى». فهل هاجرت اللوحة التشكيلية اللبنانية وبقي الفنان على أرضه قلقاً على مستقبله الفني خاصة جيل الشباب؟ أم أن اللوحة اللبنانية خلقت نوعا من التثاقف التشكيلي بين متذوقي الفن وتجاره؟ وهل هجرة الفن التشكيلي اللبناني يمكن وضعها في خانة الأزمات المتعددة الأوجه والتي تشكّل شفرة تجارية لم يمكن فهمها؟ أم أن الرغبة في الحصول على اللوحة اللبنانية التي ابتعدت عن السياسة وحملت علم الجمال فقط هو ما زاد في هجرتها؟ وهل الأزمة الاقتصادية في لبنان هي التي سمحت في هجرتها أو التسابق على اقتنائها من المغتربين؟
يقول الفنان الدكتور ميشال روحانا، رئيس جمعية الفنانين للرسم والنحت : «بعد الأزمات التي مرَّ فيها لبنان والأوضاع التي استجدّت علينا خلال السنوات الأخيرة أقول أن الفن لم يمت أو نستطيع القول أنه مات وعاش كحبة القمح التي تموت لتعيش من جديد كطير الفينيق الذي يقوم من الرماد. والفن اللبناني كحبة القمح بعكس كل الظروف الاقتصادية هو حي. ونحن لا نقول أننا قمنا بخلق اقتصاد لأنفسنا، لأن المواهب والطاقات الفنية تفجّرت إبداعيا. فهذا ليس باقتصاد وإنما كحركة ثقافية نهضت عكس الاقتصاد، لقد قمنا بحركة نهوض ثقافي فني بعد انفجار بيروت. بدأنا كجمعية في معرض الجميزة بعد انفجار بيروت بحوالي شهر قمنا بمعرض بعنوان «النهوض الثامن»، كنية لبيروت التي تهدّمت سبع مرات وكانت هذه المرة الثامنة لهذا كانت بعنوان: النهوض الثامن. في الأوضاع الكورونية أصاب الفن بعض الخمول جراء كورونا إنما بداية عام 2022 بالتعاون مع وزارة الثقافة ونقابة الفنانين والجمعية قمنا بمعرض جامع، وقد جمعنا فيه أكثر من ثلاثمائة فنان وافتتحنا الحركة من جديد، وكانت صالة الأونيسكو مغلقة مدة أربع سنوات ونحن افتتحناها بهذا المعرض، وأقمنا العديد من المعارض والنشاطات الفنية من بعدها، كما تم افتتاح العديد من صالات عرض جديدة للفن في هذه الفترة وما زالت حتى اليوم وأكثرها في مناطق الجميزة. وما لاحظناه هو عودة المغتربين هذا الصيف وإيجابية تواجدهم في لبنان وتأثيرها على الحركة الاقتصادية التي تبعت ذلك فنيا (بيع اللوحات)».
وتقول الدكتورة والفنانة التشكيلية رويدا الرافعي: «الوضع الإجتماعي يلعب دورا كبيراً مهما زاد الإندفاع الفني بشكل فردي عند الفنان. فالمصالح الخاصة تؤثر مهما زادت أهمية الفنان ومكانته التشكيلية. أما الحماس الفني التشكيلي اللبناني بعد الكورونا كبير جدا بين أوساط الشباب منهم لكن اليأس من تسويقها أصاب الكثير من الفنانين. فتدهور قيمة العملة اللبنانية هذا العام زاد من إستغلال اللوحة. الفنان يحاول عرض أعماله بشتى الطرق، لكن ما من مشتري وكأنه يدور في حلقة مفرغة. أما الفن السياسي التشكيلي اللبناني بعد تجربتي بشكل خاص وبعد خوضي في بلدان المشرق العربي; العراق فلسطين سوريا والأردن ومصر ولبنان، من المؤسف أن أقول أن لبنان أضعف بلد بالفن السياسي».
وتقول الفنانة التشكيلية باسكال مسعود: «إن هجرة اللوحة دون اقترانها بهجرة الأشخاص ظاهرة تكبر يوما بعد يوم بسبب العوامل الاقتصادية التي نعيشها وندرة من يستطيع شراء لوحة في لبنان. مثل كل شيء الهجرة لها إيجابيات وسلبيات، فالإيجابيات هي حل الأزمة الاقتصادية للوحة اللبنانية إذ تم بيعها بسعر منصف ومن السلبيات الخوف من تلف اللوحة عبر السفر والشوق المصاحب لرؤية عملنا الفني بشكل مستمر في المعارض وبين أيدينا. عند الحديث عن عوامل الهجرة وخصوصا هجرة اللوحة الفنية لا بد من التوقف عن التطورات التكنولوجية الهائلة في مجال الفني الفعلي المحسوس. إذ يشترون الآن عبر المنصات الإلكترونية صورة اللوحة.
أما الفنان التشكيلي الدكتور فضل زيادة وهو من فتح مدى لوحاته بصريا نحو فضاءات رحبة محسوبة بدقة كأيقونات للفضاء يقول: «المرحلة الصعبة التي مرّت بها المنطقة العربية تحديداً من الكورونا الى الظروف الأخرى أصابتنا بالإنحطاط أدبيا، ثقافيا، فنيا.. الخ.. فالأزمة عالمية تشكيلياً بشكل خاص، وما من مقتني لوحات لبناني بميزانية مالية كبيرة كما كان سابقا فوزارة الثقافة كذلك أيضا حتى متحف سرسق بعد انفجار مرفأ بيروت كان له تأثيره على اللوحة، لأنه كان دائما خلال معارضه في الخريف يشتري من الفنان بعض مقتنيات تشكيلية خاصة به، وهذا كان يساعد في انتاجية الفنان أو لوحاته. وما من جدّية في المعارض الأخرى بشكل عام. والأزمة عالمية لأن كل مرحلة قد تبلغ أكثر من ثمانين سنة هي مرحلة انتقالية تكلم عنها بيكاسو وقال أن اللوحة التشكيلية بعد الحرب العالمية الثانية غير ما قبلها، ونحن حاليا أمام الذكاء الاصطناعي الـ«ديجيتال آرت»، واللوحة الرقمية التي توجه إليها الفنان لسعرها المختلف ولجمالها أيضاً وهذا مؤثر لأن سعرها منخفض عن سعرها الحقيقي. التكنولوجيا الرقمية قليلة في العالم العربي، لكنها في الغرب منتشرة جداً.