بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 حزيران 2023 12:00ص عرائس الطفولة «ديوان صوفيا» لناجي بيضون نموذجاً

حجم الخط
أربعون أغنية، كتبها الشاعر ناجي بيضون لحفيدته صوفيا، في هذا الديوان الراقص، كباندول الساعة.. هذا الديوان الراقص، كسرير الطفولة. قصائد مغنّاة، هي أشبه بأغاني ترقيص الأطفال، تلك التي إعتاد عليها الناس في جميع مجتمعاتهم، منذ القديم وحتى اليوم، لدى شتى الأمم والشعوب، حين يضجرون بأعمارهم، يريدون أن يرشوا عليها ماء الطفولة، يجدّدون ماءتها، لتنتعش بذلك قلوبهم، فلا تكون عرضة للجفاف والإنكسار والعطب، إذا ما لحقت بهم بعض شالات من شمس غيوم الغروب.
 ترى الموضوعات تتداعى في هذه المجموعة الخيالية، مجموعة القصائد التي كان ينشدها الشاعر الرقيق، ناجي بيضون. ينشد في كل منها بعض ما يعتمله القلب من فرح ومن حب ومن إغتباط، بولادة طفلة  بكر، إسمها صوفيا، لأبنه البكر كريم. فكان أن شغف أبو كريم بها أي شغف، وهام بها أي هيام، وحملها ورقّصها على يديه، تماما مثلما يرقص سرب من اليمام، على غصن سرو، على غصن قلب، حين تغرب الشمس، ويدخل العمر مبتدأ عصر الأفول: (ناجي بيضون. صوفيا. دار الفارابي - بيروت - 2017. 120 ص. تقريبا).
عرائس الطفولة كلها، إجتمعت في هذا الديوان الذي يتفرّد بالغبطة والسرور والفرح بمولود، كان ينتظره الشاعر، حتى يملأ به كيانه ماء. حتى يصير روضا، على جنبات نهر الحياة. فلا أجمل إذا؛ مما يطيب للجد أن يقوله للحفيد، أن يرقص به الحفيد.. فما بالكم إذا ما كان الحفيد: الطفلة البكر، من ولده البكر، فأحرى، آنئذ للشاعر الجد، أن يهيم في برية الصوت، يجدّد نفسه، يضائل شخصه، يترنّم بالقصيد، يطلق الأناشيد، حتى يسمع الكواكب والنجوم.. وحتى ترنّ ضلوعه طربا، حتى يغني ناي نفسه، عند كل هجوع، إذا ما آذنت الشمس بالأفول عند كل غروب.
«سأسافر في عينيك/ وأغرق/ يا نهر الأحلام الأزرق/ الدرب طويل/ عنوان الحب/ وزمان الهدأة والصخب/ يا نهر الأحلام الأزرق/ سأسافر في عينيك/ وأغرق».
بهذه القصيدة، بهذه الأبيات الرقيقة، بهذا الشعور الراقي، يفتتح ناجي بيضون «ديوان صوفيا»، معلنا إنغماره ببحر من الحب، لإبنه البكر، الذي لا يساويه أي حب، وقديما قيل: «من يذقْ يرَ».
فجأة تنفجر جرار الخمرة، فجأة تنفجر جرّة العمر، ويطيب للشاعر ناجي بيضون، أن يسيل به الشعر على قدمي الطفلة البكر صوفيا، فلا يدري بين يديها، أيهما أقدام البكورة، أيتها أيدي الشعر.. كريم وصوفيا والشاعر بينهما، قصب ريح، قصب يهزّه الزمن، قصب يهزّه العمر، يهزّه سرير العمر، يجعله يصدح بأغاني الطفولة يهدهدها المهد، بأغاني ترقيص الاطفال، التي عادت إليه، كلما كان يرقّص صوفيا بين يديه.
«كانت تعبر/ فوق الدرب/ كانت تملأ/ حضن الأب/ فتح الباب/ ودخل الدار/ وراح يرحّب/ بالزوار/ كان يغطي/ كف الأم/ قالب حلوى/ غرست فوق القالب شمعة/ حضن الجد/ ذراع العم/ ملأت صوفي/ حضن الأم/ نفحت مثل الأم الشمعة».
كثيرة هي الموضوعات التي طرق الشاعر بابها، يريد أن يذكّي بها ناره، يريد أن يعطّر بها دثاره، يريد أن يتوشح بها، كما الشمس، حين يهمّ زمنها بالأفول. يريد أن يبني فوق قوس قزح، دارة للطفولة الملونة، تغني للقمر، تصنع له أرجوحة، تدعوه أن يلعب معها، مثلما كان يلعب القمر دائما منذ قديم الزمان، مع وجوه الأطفال، جيلا بعد جيل، حين ينزلون معا، في بركة الماء، في بركة المساء، في بركة العيد.. فتبتل الخدود وتبتل معها السراويل والفساتين، وتشتعل المناديل، من دموع الزهور، تطير، تهفو، تسيل إلى حيث هو، يغني: أضاع الحفيد حضن الجد، أضاء الجد سرير الحفيد.

أستاذ في الجامعة اللبنانية