بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 تموز 2021 12:00ص غفو الأخطبوط

حجم الخط
في البرازيل، أظهرت دراسة نشرها باحثون هناك، أن الأخطبوط وحده من اللافقريات، إنما يتصف بنمطين رئيسيين من الغفو المتناوب، يشبهان تناوب الإنسان على النوم. وهو يحلم أيضا مثل الإنسان، وذلك بفضل جهازه العصبي المعقّد والمتطوّر، والذي هو الأساس لمخزون من السلوكيات المتطوّرة، التي تقدّم بنفس القدر، وظيفة حيوية مهمة، ورؤية أوسع لتطوّر الغفو عند الأخطبوط.

يغفو الأخطبوط، ويغيّر لونه في أثناء النوم. وتغيّر لونه، كما يقول العلماء، مرتبط بحالتي نوم متمايزتين، هما: «النوم الهادئ»، وكذلك «النوم النشط».

ينعكس «النوم الهادئ»، عند الأخطبوط، في إرتياحه وفي سكونه وفي هدوئه. يتمثل أكثر ما يتمثل بأن الجلد يصير باهت اللون، وبأن عينه تكون مغلقة تقريبا، مما يوحي بنصف نومه.

أما «النوم النشط»، عند الأخطبوط، فإنه يغيّر لون جلده، كما أن ملمسه يصير خشنا، كذلك فإن عينه لا تستقر، فهي في حركة دائمة ودؤوبة، وهذ ما ينعكس على جسمه، إذ سرعان ما ينكمش، وتحدث له تشنجات عضلية، تظهر على هيئته.

كذلك لاحظ المراقبون للأخطبوط، في حالتي نومه، أن «النوم الهادئ» يستمر عادة لديه لسبع دقائق تقريبا. أما «النوم النشط»، فلا يستمر لأكثر من دقيقة واحدة.

قارن الباحثون دورة الأخطبوط أثناء نومه الهادئ وأثناء نومه النشط، بحركة العين السريعة، وبحركة العين البطيئة عند الإنسان. قالوا أيضا إن الأحلام، تحدث بصورة واضحة أثناء نوم حركة العين السريعة، أما نوم حركة العين البطيئة، فيتميّز بأنه أعمق وأقل أحلاما.

وتقول رئيسة فريق البحث «سيلفيا ميديروس»، إن الأخطبوط، ربما يحلم أو يمرّ بشيء مماثل للحلم.

وتؤكد الباحثة، أن حلم الأخطبوط، يقصر أو يطول، قياسا لمدة النوم النشط، والذي يقع لثوانٍ، أو إلى دقيقة واحدة. وقد يعتمد الباحثون، على التناوب بين النوم الهادئ والنوم النشط لدى الأخطبوط، لأجل الفصل في أصل النوم وتطوّره، من الأخطبوط إلى الإنسان.

يعيش لبنان هذه الأيام، هاتين الحالتين من النوم الهادئ، ومن النوم النشط. وتمرّ به أحلام كثيرة، أثناء نومه النشط. فيرى اللبنانيون أنفسهم فجأة أمام أحلام الحرية، وأمام أحلام الديمقراطية، وأمام العدالة الإجتماعية.

يرى اللبنانيون أنفسهم فجأة أمام أحلامهم بالقضاء النزيه، وأمام حلمهم القديم الجديد بالدولة الواحدة، وبالجيش الواحد، وبالسلاح الواحد، وبالعدو الواحد، وبالشعب الواحد، وبالعيش الكريم الواحد، لجميع اللبنانيين، بلا أحلام جماعاتية، وبلا أحلام فئوية، وبلا أحلام إستزلام أو أحلام تبعية.

ينزل اللبنانيون إلى الساحات فيملأونها لثوانٍ، أو لدقيقة واحدة.. ثم يعودون للنوم الهادئ الذي تعوّدونه لأشهر أو لسنوات.

وترى المجالس والقصور الرئاسية، لا تشذّ في نومها، عن الإستغراق في النوم الهادئ والعميق. فقد سكنت هواجسها وهدأت خواطرها، لأن الشعب غير قادر، لا على التغيير ولا على الإصلاح، ولا على تقرير الحسم في المسائل المصيرية، من ثمن الرغيف، إلى إستراتيجية السلاح.

مجالس تغفو على أمجاد إنتخابية مسروقة. وعلى توظيفات عشوائية غب طلب الزعيم أو الوزير أو الرئيس الذي يهدر وقته كله في النوم الهادئ لسنوات، لا تخضع لتأثير الثورات، ولا لمطالب الشعب، في التعجيل بإجراء الإنتخابات.

مجلس لأربع سنوات محسومة، حتى ولو مات الناس في الطرقات جوعا وبردا في الأيام الحواسم.

ورئيس ينام نوما هادئا على كرسيه لست سنوات، يريد التمديد لـ «نومه الهادئ» العميق، أكثر من التجاوب لإرادة الشعب، وتقليص مدة الولاية والرحيل.

يبسط الأخطبوط نفسه على أرض لبنان كلها.. ويبسط الأخطبوط نفسه، على شعب لبنان كله.

يربض الأخطبوط على صدر اللبنانيين لسنوات محسومة، بلا همّ ولا غمّ.. نوم هادئ طويل، ونوم نشط قصير.. واللبنانيون يرزحون تحته، لا يعرفون ماذا يحلّ بهم، ولا يعرفون متى يسمح لهم، بالحراك والتحرك، بالثورة أو بالتظاهر بالثورة، أو بالإستمرار في الثورة، أكثر من نشاط نوم لثوانٍ، أو لدقيقة واحدة في أعظم تقدير.

لبنان يعاني في هذه الأيام، من نوم السلاطين في قصورهم، أم من نوم المجالس، أو من نوم «أهل الربط والحل» في الطوائف.. أم نوم أهل الكهف؟

لبنان يعاني من نوم الأمم، ومن نوم مجالس الأمم.. ومن نوم منظمات الأمم، ومن نوم رعاية الأمم.

لبنان بلد صغير يربض على صدره أخطبوط الإرهاب الأممي والإقليمي، ينام نوما هادئا فوق جثمانه القتيل، منذ أول الدهر، وحين يريد أن ينشط في نومه، يحدث له رئيسا:

يبكي ويضحك، لا حزنا ولا فرحا/ كعاشق خطا سطرا في الهوى ومحا.



د. قصي الحسين

أستاذ في الجامعة اللبنانية