بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 تشرين الأول 2021 12:00ص فؤاد مطر في «الحاكم إذا استبدّ...» السودان تحت المجهر

حجم الخط
«السوداني الأبيض» هو أصدق تعبير لعملاق السياسة السودانية «محمد أحمد محبوب» حين أوجز وصف الرجل بأنه السوداني «عاطفة وقلباً وعقلاً... وإنه لكذلك (...)» انه فؤاد مطر... الصحفيّ الباحث... والصحفيّ الأول الذي يكتب بقلم راسخ رصين... والصحفي العربي الأول في الاهتمام بالشأن السوداني، كما يراه السودانيون.

كانت لاءات الخرطوم الثلاث عام 1967، هي محطته الأهم في علاقة المحبة مع السودان، البلد والشعب والإنسان بعد المحطة المهمة المتمثلة بثورة اكتوبر/ تشرين الأول عام 1964. وكانت انطلاقته من السودان مع «الحزب الشيوعي السوداني النميري» معاوداً متابعة الأحداث في السوان على إيقاع كتابه «حاكم مستبد.. شعب غاضب» بثلاث نبرات (حائر، ثائر، خائر) وبتفاصيل دقيقة، المفارقة فيها ان السوداني نفسه لا يعرفها، مختصراً في هذا التوصيف مصائر الشعوب العربية منذ عام 1984 حتى يومنا هذا.

يتابع فؤاد مطر في كتابه هذا الانتفاضة السودانية في صيغتها المبتكرة... حيث بدأت شعبية واكتملت بوقفة عسكرية إلى جانب الطيف المدني المنتفض... مكملاً ثلاثيته السودانية التي تحمل تسمية: «حلو... مرّ السودان.. تاريخ ما لن يهمله التاريخ عن العسكر والأحزاب». كان أول هذه الثلاثية كتابه «المصالحة الوطنية انتكسوها أم انتكست؟»، ثم جاء الكتاب الثاني «سنوات نميري.. بحلوها ومرّها». ثم ليأتي كتابه هذا تحت عنوان: «الحاكم إذا إستبدّ.. والشعب إذا إنتفض» كعنوان رئيسي، ثم «مشهدية السودان الخائر.. الثائر.. الحائر» ليكون كعنوان فرعي يكمل به فؤاد مطر ثلاثيته السودانية.

يستهل الكاتب المشهد السوداني بـ«السودان الخائر» في زمن المجلس العسكري وقائده الجنرال إبراهيم عبود.. «لحظات ما قبل عهد الجنرال» والمجريات السياسية والتعديل في الدستور، والبشير المطمئن إلى خارطة طريق تمديد الرئاسة.. والحال الذي انتهى إليه السودان الخائر في عهده من حصار وتردّي للأحوال المعيشية في السودان، ذلك مما أدّى إلى بروز «قوى الحرية والتغيير» التي ظهرت مع قيام الشعب السوداني، تلك القوى المناهضة للبشير وتوظيفها لذكرى سقوط نظام النميري بالدعوة إلى عدم مبارحة الميادين حتى زوال حكم الطاغية، ثم دعوة مريم صادق المهدي القوات المسلحة إلى الوقوف مع خيار الشعب السوداني، ووقف مؤازرة البشير. تلك المرحلة التي أطلق عليها فؤاد مطر «السودان الثائر».. وصولاً إلى المرحلة الراهنة وهي: «السودان الحائر».. يتابع الكاتب الأحداث بوعيّ وموضوعية، ومن خلال تحليل يدخل في عمق الوجدان الشعبي السوداني من جهة.. ثم في عمق الواقع السياسي السوداني في دقائقه بما يشمل توجهات رموز السياسة السودانية الذين قادوا السودان إلى مصائره.. مسلّطاً الضوء على ذلك المنطق الذي مثّل النهاية السعيدة للانتفاضة السودانية وتكريس مبدأ الشراكة العسكرية - المدنية في الحكم، والذي كان نتاجه ضخّ الحيوية في شرايين الجسم السياسي في دولة جنوب السودان التي كانت أميركا وبعض الدول الأوروبية وإسرائيل وراء استحداثها.. بعد انفصال طوعي ارتضاه نظام البشير.. مع الانتفاضة السودانية.. كان التغيير الرؤيوي السياسي لدى الرئيس الجنوبي سيلفا كير.. إذ ان هذه الانتفاضة وتداعياتها مثّلت لديه حافزاً للأخذ بمبدأ التوافق بصيغة مختلفة حيث مثّل تدشين العاصمة جوبا يوم الجمعة 21 يناير/ شباط 2020 مرحلة انتقالية كتلك التي تم الأخذ بها في العاصمة الخرطوم من عسكر السودان ورموز الانتفاضة الشعبية .. «كانت الانتفاضة السودانية» مثل سحابة على أهبّة أن تمطر لتروي أرضاً على أهبّة التصحر».. فالعقوبات المفروضة على السودان من جانب الولايات المتحدة وضعت هذا البلد الذي هو «شبه قارة» في أسوأ حال.

وهنا يتوقف الكاتب عند اللقاء الصادم الذي أراده ترامب للسودان المتجدد بين رمزه السيادي المتمثل بالفريق عبد الفتاح البرهان مع بنيامين نتنياهو، والذي ينطبق عليه، كما أشار الكاتب «ما جعلك تحتاج إلى المرّ إلا الأكثر مرارة» والمرّ هنا ذلك اللقاء نحو التطبيع مع إسرائيل، مقابل الأكثر مرارة العقوبات ورفعها هو ثمن هذه الصفقة..

وأخيراً.. خلاصة القول، فالانتفاضة السودانية كانت حدثاً يستحق الإضاءة عليه وتحليل موجباته والتقاليد الجديدة في عملية التغيير التي ابتكرها السودان ذو العمّة والجلباب.. والسودانية ذات الوجه الصبوح، إذ غضب أو غضبت على الحاكم إذا استبدّ، وكيف ان الغضب كان مدنياً وعسكرياً.. وفي سياقات تفاهمات غير مسبوقة.. وحالات من الجمود غير مسبوقة.. مع الخشية من مكائد وحالات تربص تنتج محاولات مغامرات انقلابية.. تأخذ من وهج أجواء مسك الختام.. فالإنقاذيون حالة مجتمعية - عسكرية ولن يستسلم هؤلاء بسهولة [..] وهذا ما مثّل مقصد فؤاد مطر من هذا الكتاب الجديد في سلسلة: حلو ومرّ السودان.. تاريخ ما لن يهمله التاريخ عن السودان العسكر والأحزاب...



ضحى الخطيب

* الكتاب من إصدار الدار العربية للعلوم (ناشرون)