عندما تصدر عني في المجتمع إيماءة ما بلا شرح وتفسير بل بدافع العفوية التي تتناغم مع الضمير الحي، أتيقن انني على جانب من الصدق والصواب. بتوافر العفوية ترتقي يقظة الذات، وبها يتمكن المرء من النجاة بذاته من اجتياح الخبث وفساد الأخلاق اللذين ينبثقان من عقل ما مدبّر جائر.
لا تعني العفوية الإشارة الى كل الأمور بلا تفكّر، وإلقاء الكلام على عواهنه، والتصرف بحربائية وتكلّف، إخفاء للمكر والخداع. فالحياة لا يعبث بها، وليست دعوى جاهلية جهلاء ممعنة في الطيش والعصبية والضلال.
التحليل، على أهميته في العلم والشأن العام، يقضي على العفوية. حبة القمح التي تستحيل طحينا لا تنبت من جديد.
العفوية هي القدرة على التصرف بفعل ما نشعر به في اللحظة الآنية وبفعل ثقتنا بغرائزنا الحميدة وأخذ أنفسنا على حين غرّة وانتزاع الذات من براثن الرتابة المنتظمة الى آفاق دهشة ليست في الحسبان.
لا ضرورة إذا للمماحكة حول الحياة والموت وحول الاتهامات المتبادلة والحسابات الضيقة والاعتبارات الوهمية، علما بان لا إكراه في العلم والمصلحة العامة. فلنتجاوز كل عائق أو رادع كلامي أو سلطوي وليستطب كل مواطن مكانه في الحياة ويحترم نفسه قبل احترام الآخرين. هذا أضعف الإيمان إذا شئنا الخروج من الجمود الى الحياة.
فلنكفّ إذا عن الاستعلاء ونصبر مبتسمين على مضض الحسود ونتمّ واجباتنا البديهية ونسعَ في تحصيل دائم للعلم والفضيلة ولا نوبخن الجاهل لئلا يعدينا عيبه.
ندعو، أقله، الى ألا يتفوّه ذوو النفوذ سوى بما يشعر به قلبهم، وإلى أن يعهد الى المثقفين بعقلنة سياسات ذوي النفوذ، وإلى أن يخدم الكادحون عموما الأمة كل من موقعه. ولكن، من تراه يسوّس الضواري؟!...
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه