التعددية المفرطة والمغرضة على رقعتنا الضيقة، أساس بلائنا... ولكن، ثمة تفاوت آخر. فقد قام الحكم الشعبي، بسبب اعتقاد القوم انهم أكفّاء على وجه الإطلاق، في حين انهم متساوون في أمر من الأمور فقط. فهم لكونهم متفوّقين بالثروة، يعتبرون أنفسهم متفوّقين في كل شيء. وبناء على هذا الاعتقاد الفاسد، فالبعض يلتمسون أن يشتركوا في كل الحقوق على السواء لظنهم انهم أهل الكفاية، والبعض يجتهدون في توسيع حقوقهم وثرواتهم لظنهم انهم متفاوتون وغيرهم، إذ في الإكثار منها التفاوت.
فكل السياسات إذا تعتمد على قسط من الحق، ولكنها جميعها مخطئة على وجه الإطلاق. وبهذه العلّة، عندما لا يشترك كل فريق في السياسة، اشتراكا يلائم أوهامه وظنونه، يثور على الفريق الآخر. وان أحق الناس طرّاً بالثورة، مع انهم آخر من يعمد إليها، هم أصحاب الفضيلة الذين يبذون غيرهم فيها. ذلك انه يسوغ بكل صواب، أن يعد تفوّق هؤلاء مجرّد تفوّق مطلق. إلا ان هنالك طائفة متفوّقة بمحتدها لا تقنع بالمساواة، بسبب ذلك التفاوت الذي بينها وبين سائر الطبقات، لأن كرام المحتد، في ما يظهر، هم الذين توفر لهم الغنى وفضل الأجداد.
تلك الأوهام الباطلة هي، ان صح قولنا، أصول الثورات ومنابعها، وعليها يعتمدون في القلاقل والاضطرابات. فماذا عما تطلق عليه تسمية «ثورة» في مجتمعاتنا التعددية على الإطلاق؟ هل ترانا نشهد، في أفضل الأحوال، سوى انقلابات مصغّرة أو ما نسمّيه شبه ثورات؟!...
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه