يصيب القلق غالبا الدورة الدموية والقلب والغدتين ومجمل الجهاز العصبي. قد يؤثر في صحتنا النفسي-جسدية في العمق. ونحن لم نرَ إنسانا قضى من إرهاق في العمل بقدر ما شاهدنا أناسا يقضون من جرّاء تشكيكهم وارتيابهم.
القلق أشبه بشيطان خفي ولكنه كلي السلطة والنفوذ، قادر على كل شيء. يسترق النضارة من الوجنتين والإيقاع من النبض. يسلب الشهية ويشيب الشعر الذي لا يستحيل دوما تاجا للوقار وعلامة للهيبة.
إذا أغشى القلق على بصرك لا يسعك أن ترى روعة المغيب. وان أنت انتابك قلق شديد مما قد يكون وتساءلت ربما عما كان، استغلق عليك الأمر بالكلية. والمرجح ان البكتيريا وسائر الكائنات المجهرية تجد طريقا لها أسهل لدى أولئك الذين يقلقون كثيرا ويغتاظون غيظا شديدا.
قلقنا يتأتّى غالبا ممن يفترض بهم أن يقتلعوا منا كل أسباب القلق من مسؤولين وبعض أصحاب المهن الحرة فتراهم هم أسباب القلق بعينها. هم دائسو الفقير ومنهم من اشترى الضعفاء بحفنة من الدولارات والمتسكع بنعلين. لم يتزوج معظم هؤلاء المعرفة ولم ينهجوا نهج معلميهم في المناقب والأخلاق فعشقوا المادة الجوفاء والجاه الأرعن. افتقر الشعب وتراجع الحنان فازداد القلق. وليس هناك من يتصدّى لأسبابه لأن مفهوم الحرية ما زال الرأس مالية المتوحشة وما إليها، حتى لدى معظم «المثقفين» الذين باتوا لا يتعاطون القراءة أو الكتابة ولا يقيمون في الحكمة و«يستزلمون» لأصحاب النفوذ. مسببو القلق اليوم في بلادنا يصرّون على جني أموال لا يستطيع الفقراء أن يحصّلوها إلا بالفوضى والإجرام. هل نسي المقتدرون بلا مسوغ، انهم سيذهبون، بعد قلقهم على حياتهم ومقتنياتهم، في موجة الغضب السائد أسوة بأبناء جلدتهم من صادقي القلوب؟
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه