بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تشرين الثاني 2020 12:00ص فيروز العيد... لبنان واسوارة العروس

حجم الخط
كتاج مرصع بالأغلى والأحلى والاجمل هي.. كإسوارة العروس المزينة بحبات اللؤلؤ والماس والياقوت والمرجان هي، تحاكي النجوم وتحاكيها مع كل مساء، لتحكي لها كل الحكاية، كيف لا وقد تربعت فيروز على عرشها كسفيرة إلى تلك النجوم بامتياز ودون منازع.

تسهر مع القمر تناجيه حتى بزوغ الشمس وطلوع الضو، فهي التاريخ كل التاريخ والمجد كل المجد والحضارة والرقي من دون طرح علامات تعجب أو استفهام.

تمرست وتربت على الفن الأصيل، فأبدعت فيروز حتى كان ابداعها ما بعده ابداع، أما الصوت  فماذا عسانا نقول فيه، ان صدح أو حكى أو حتى إن همس أو غنى أو رتل ينساب بعذوبة وسلاسة فيخترق القلوب والعقول والمشاعر والاحاسيس من دون إذن أو استئذان.

انها السيدة فيروز من دون ألقاب أو صفات أو نعوت، يكفي ان تذكر الاسم فقط لكي تسافر معها إلى حيث النجوم والبعيد البعيد، فيصدح الصوت عالياً لتضج به السماء وما عليها من كواكب ومجرات حيث يحلو لتلك النجوم المشعة كقناديل السهر ان تغفو وتنام على صوت فيروز، اما القمر فيأبى الا أن يبقى ساهراً مع صوتها حتى اشراقة الشمس واطلالة الصباح، كيف لا وهي قد غنت لذاك القمر بدءاً من مشغرة وحتى بدر وادي التيم.

فتحت عيناها على مدرسة الرحابنة، وما أدراك ما مدرسة عاصي ومنصور، والرحابنة عمالقة من بلاد الأرز، غنوا الوطن بفن مبدع أصيل، فاخترق صمتها كما صوتها كل زمان ومكان، حتى رسى بسلام واطمئنان في قلوب كل المحبين وعشاق صوتها الالهي الجميل، فيما تُكرّس وترسخ فنها وغناؤها تألقاً وإشراقاً وابداعاً ما بعده ابداع.

لا أخفي سراً انني عندما قررت الكتابة عن السيدة فيروز ومسيرتها الطويلة بمناسبة عيد ميلادها الـ85، شعرت بالخوف والوجل والارتباك، لأن الكتابة عنها تحتاج إلى بحر من الحبر، أزرق، أسود، أحمر لا فرق، إنما الأهم ان لا نكتب عنها بالرصاص لأنها تكره الرصاص ومطلقيه حتى ولو كان ذاك القلم من الرصاص.

فيروز، نخالك في عيدك الـ85 ترددين أغاني للوطن، وتتمتمين من صومعتك العديد من الاغنيات والالحان التي احببتها وأحبها كل النّاس، وإذا ما زارك الكبار يوماً من رؤساء الدول والعالم كما فعل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مؤخراً لا بدّ انه سيجد فيروز ترأس عالمها الخاص كما عالمنا نحن أيضاً.

تحدق السيدة فيروز من صومعتها تلك عبر نافذتها، حيث تعيش مع كريمتها ريما، نحو السماء والنجوم والقمر والعالم والكون بأسره لتغني وتردد وتتمتم «شو صاير بالدني».

تلتقط فيروز أنفاسها من جديد لكي تعود بالذكرى والذاكرة والذكريات إلى مجد لبنان العظيم، إلى تلك المهرجانات التي طالما وقفت فيها مراراً وتكراراًً على أدراج قلعة بعلبك ليعلو الصوت ويصدح من الأعماق: معافى يا عسكر لبنان، بحبك يا لبنان يا وطني بحبك، وبيي راح مع هالعسكر، واسوارة العروس مشغولة بالذهب. وغيرها وغيرها من الاغنيات التي لا تعد ولا تحصى.

لقد اختصرت السيدة فيروز لبنان والتاريخ والحضارة كما الماضي والحاضر والمستقبل في كتاب واحد يُمكن قراءة صفحاته وكلماته التي خطت بأحرف من الماس وعن مسيرة طويلة تلخص نجاحاتها وإبداعها، لذلك مهما حاولت ان تكتب عنها وتسرد حكايتها مع التألق والنجاح والابداع، لا بدّ إنك ستواجه الكثير من الصعوبات لإيجاد الكلمات والمفردات المناسبة، كما لا بدّ لك من أن تضيع في تبعثر النقاط فوق الحروف مهما حاولت البحث والتفتيش لإيجاد ما يليق بها من كلمات وعبارات لأنها كانت وما تزال وستبقى أيقونة الغناء والفن الأصيل، ولا يُمكن لك ان تجد في ذلك الا فيروز واحدة لا مثيل لها ان كان في لبنان أو في كل أرجاء العالم، وهي التي حملت في قلبها وصوتها مسؤولية حب الوطن وصوته بكل قناعة ومحبة وإصرار.

لقد غنت فيروز للبنان كل لبنان، غنت للجنوب كما للشمال، كما للعاصمة الحبيبة بيروت، وأيضاً لبعلبك وقلعتها الشامخة، وغنت أيضاً وأيضاً لمكة والقدس العتيقة والشام ولباريس ولكل أرض أحبتها فيروز من الصميم.

أما  الصدفة التي جمعت ما بين عيد ميلاد السيدة  فيروز وعيد استقلال لبنان في 22 تشرين الثاني لا يُمكن اعتبارها مجرّد صدفة يجب أن تمر مرور الكرام بل يجب التوقف عندها ملياً وكأني بالقدر والتاريخ أبى الا أن يلتصق اسم وتاريخ ميلاد فيروز بهذا العيد الوطني الكبير، كيف لا وقد أحبت فيروز لبنان وهي التي غنت له «بندر صوتي وحياتي وموتي لمجد لبنان» وعشقت هذا الوطن حتى الثمالة.

فكما هي الأرزة الشامخة الخالدة  التي لا تعصر ولا تكسر ولا تنحني الا للخالق وحده كذلك هي فيروز، شامخة متجذرة بالأرض والكيان والوطن، وكما يرفرف علم لبنان خفاقاً عالياً في كل زمان ومكان في هذا  العالم فإن اسم فيروز ومكانتها في كل العالم سيبقى يحلق ويخفق ويرفرف مع علم البلاد وصولاً إلى الأعالي والنجوم ولكي تؤكد لكل محبي لبنان ان بلداً فيه أمثال فيروز، لا ولن يموت وسينهض كما كان دائماً كطائر الفينيق من تحت الدمار والركام والأنقاض،لينفض عنه غبار الحروب والفتن والمآسي ويعود ويحلق في الأعالي نحو السحاب والنجوم وقمر فيروز ونحو السماء من جديد.

وكما على الأرض كذلك في السماء سيبقى صوت  السيدة فيروز يهدر ويصدح، يغني ويرتل لتسمع ملائكة  السماء والأرض على حدّ سواء وليعبر صوتها حواجز الخوف والرعب والهلع الذي ينتاب هذا العالم نحو بر الأمان، فتغني وتغني لبنان مجدداً كعادتها أيضاً أينما حلت لأنها فيروز التي نقول لها بصدق وأمانة: شكراً، وأطال الله في عمرك وأمدك بالصحة والعافية على مدى الدهر والسنين، لأن فيروز من دون لبنان لن تكون فيروز كما وان لبنان من دون فيروز لن يكون لبنان.