بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 آب 2018 12:01ص قسوة الدوران العبثي قراءة في رواية «ناي بدوي» للروائي «نزار سيف الدين»

حجم الخط
تحرر الروائي «نزار سيف الدين» في روايته «ناي بدوي» الصادرة عن «دار العلوم العربية» من الرومانسيات الروائية، وذلك برسم الواقع الزمني الذي يحيا فيه الراوي، مستكشفا زوايا الحياة اليومية بعد عمر مضى بجميع اشكاله الاجتماعية، ومشكلاته الأسرية التي يتعرض لها الفرد. وبتحليل يقدمه دون نسخ لواقع يعيشه، وانما بتفرد سردي ذي اسلوب رفض فيه المثالية او تقييم الفشل والنجاح بين الافراد كافة، تاركا للقارىء اكتشاف الاخطاء والحسنات السلبية منها والايجابية في مسيرة بدوي يعيش في مجتمع معاصر. 
الا ان اسمه يحمل من البداوة مفاهيم يرفضها او بالاحرى يتعايش معها وفقا لمبدأ الكاتب المختبىء في طيات تفاصيل الحياة التي تمتحنه او تضعه في متاهات العمر وارذله او تجعله يتذوق قسوة الدوران العبثي «فوالله قبيح أن يأكل الانسان ويشرب وينام ويستيقظ ويتبول دون هدف او غاية» اذ لم يخدع الروائي «نزار سيف الدين» القارىء، بل! وضعه على خط  روائي يعكس العالم الحقيقي الذي نعيش فيه  كما هو في جميع جوانبه، كمرآة واقعية في الحاضر الذي يمثل المجتمع بقيمه واخباره ومشاكله،   وتنوعه الاجتماعي من الكاتب الى سائق التاكسي فالسياسي او الحزبي،  وكل ما من شأنه أن يبرز خلفيات تسمح للقارىء بمشاركة الروائي رؤيته للمجتمع، وما وصل اليه بعد رحلة من العمر لم يجد فيه الراحة رغم وصفه للعقول وللصراعات وللعلاقات، ودون ان يسعى الى ايجاد مكانه بين اصحاب الفن والادب، بل! بالصمت امام سائق التاكسي الذي يحلل الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي «ما بين ابداع العقول النيرة، واخبار الصراعات الدموية المستمرة، وقد ابدى تعجبه واستغرابه من التناقض، ما بين التطور العلمي والعنف الذي يسود كرتنا الجميلة، التي حفلت بانجازات فكرية وطبية وفلسفية وصناعية وزراعية مدهشة، معلقا بأن الانسان لم يتغير، وان تبدلت المفاهيم الاجتماعية وانماط التفكير ونوعية العلاقات بين البشر» فهل يحاول «نزار سيف الدين» ان يقنع القارىء بمحاولات المفكر او الكاتب او الباحث بتصادمه مع مشكلات عصره؟.
ان توافق السرد الواقعي مع البيئة الاجتماعية ومشكلاتها المستهدفة خلق تأثيرات حقيقية تحاكي القراء على تنوعهم «بات مقتنعا بأنه في هذه البلاد البائسة، أي شكل من أشكال الابداع سيذهب ادراج الرياح» وما بين القيمة الجمالية في الرواية والقيمة الاجتماعية ابعاد مثيرة للجدل! خاصة وانه رصد حيوات اخرى تتماثل وتتماهى معه. ان معرفيا او بغموض الروائي الباحث عن الحقيقة، لينتقد المجتمع والطقوس، لبدوي اضاف له العصر الحديث ال التعريف بتوازن وتاثير وموضوعية تمتلىء بالقيمة الفنية الواقعية ذات الشرخ المرضي، ومعاناة الانسان ما بعد عمر الخمسين تحديدا، بالاحرى بعد انتكاسة صحية حولته الى شبه طيف يتذكر تارة الحرائق والخراب والصراعات، وتارة اخرى الاختباء خلف الكلمات والالفاظ والخوف من «لا»  فهل ناي بدوي هو شخصية حركية تنتمي الى الماضي والحاضر في واقع لا ينتمي له البدوي، ولا ناي الشخصية التائهة في واقع لوثته الحروب فيما مضى والانتكاسات الصحية وعودة الانسان الى ارذل العمر؟ وهل رواية الواقع هذه هي مقهى ذكريات قرأنا فيها سحر اللحظة السردية؟ ام هي صوت ناي في رواية تعزف على الاوتار الاجتماعية الواقعية؟ 
استطاع الروائي «نزار سيف الدين» التركيز على الحدث الحقيقي دون الانحراف الى الاخبار الزائفة او المتخيلة، ان ضمن الاطار الروائي الواقعي، وبرؤية تتعادل معها الاحداث دون تكرار او تكلف او مبالغة او حتى  ابراز العين التصويرية المتممة للمشهد الروائي بغض النظر عن استحضار للاماكن  او استحضار للحقائق السياسية، وانما بابراز النقاط التي يستعيدها الانسان بعد عمر مضى لاستخراج العثرات والعودة الى الطفولة الاولى التي يفتقدها الانسان بعد الكهولة او الشيخوخة، دون تجميل قصته او الحدث مع الاهتمام  بمزاج الشخصيات واوجاعها النفسية وفقا لطبقتها الاجتماعية،  التي  يُفهم منها العلاقات الاسرية ايضا . 
فهل يحول «نزار سيف الدين «من خلال السرد ادخال القارىء في ذاتية الرواية بموضوعية وبقوة حيوية، وضعتنا على مفترق طرق مع الانسان بعد عمر الخمسين، وبتلقائية خاضعة لمهمة روائية تتهرب من الموضوع الخيالي. 
فهو سمح بالتوافق  بين الواقع والسرد المستجيب لرغبة الواقعية، وان ضمن المتخيل الروائي  المتجذر بالواقع، وما ناي بدوي إلا الصوت الانساني في مجتمع فضحته انتكاسة صحية لرجل خمسيني.