بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 أيار 2020 12:00ص لتكن حافزاً لتحقيق تلاقٍ إنساني

حجم الخط
تجاوباً مع الدَّعوةِ الإنسانيَّةِ والحضاريَّةِ السَّاميةِ، التي انطلقت مِن الكُرسيِّ الرَّسوليِّ، في روما، ومِن مشيخةِ الأزهرِ الشَّريفِ، في مِصر؛ لصلاةٍ مشتركَةِ، يوم 14/5/2020، في سبيلِ الصَّالحِ الإنسانيِّ العام؛ 

أرى أنَّ الإنسانيَّةَ، تعيشُ في هذا الزَّمنِ، الذي نُعاني فيهِ جميعاً:

- قلقاً متنامياً في الأوضاعِ العامَّة، بسببِ أطماعٍ دوليَّةٍ متناقضةٍ فيما بينها؛

- ونشهدُ فيه بؤساً مؤلِماً في المجالاتِ الصُّحيَّةِ، نتيجةَ ما نعايشهُ جميعاً مِن ويلاتِ جائحةِ داءِ «الكورونا»؛

- ونعاني ما يترتَّبُ على كلِّ هذا، مشترَكاً، مِن أخطارٍ تُحيقُ بالوجودِ الإنسانيِّ المعاصِرِ على المستويَّاتِ المتعدِّدَةِ والاتِّجاهات المختلفةِ؛

فإنَّني، ومِن موقعي ومسؤوليَّتي، رئيساً للمركزِ الثَّقافيِّ الإسلاميِّ في لبنان، ورئيساً لندوة العمل الوطنيِّ؛ أرى أنَه صار من الضَّروريِّ لنا جميعاً:

- أنْ نُعيدَ النَّظرَ في شكليَّاتٍ كثيرةٍ ما انفكَّت تطغى على جوهرِ أمورِ عيشنا ووعينا وسُبُلِ تفاعلنا فيما بيننا.

لقد نبَّهتِ التَّدابيرُ العامَّةُ، المُعْتَمَدَةُ مؤخَّراً مِن قِبَلِ المرجعيَّاتِ الدينيَّةِ الكُبرى، في مجالاتِ ممارسةِ أشكالِ العبادةِ ومراسِمِها، للتَّجمعاتِ البشريَّة في الأماكنِ العامَّةِ، وفي بقاعِ الدَّنيا كافَّةً، للحمايةِ مِن مخاطرِ جائحةِ «الكورونا»؛ أنَّ جوهرَ الدِّينِ، في حياةِ كلٍّ منَّا، يَكْمُنُ في حمايةِ الوجودِ السَّليمِ للإنسانِ؛ وليسَ في انغماسٍ مُطْلَقٍ في شكليَّاتٍ تقليديَّةٍ وأساليبَ متوارَثَةٍ ومراسِمَ مُحَدَّدة. جوهرُ الدِّين، عبادةُ الخالقِ بالإحسانِ إلى مخلوقاتِهِ، وعلى رأسِها الإنسان.

ولقد بيَّنتِ الإجراءاتُ العامَّةُ المُتَّخذَةُ مُؤخَّراً، مِنْ قِبَلِ القَيِّمينَ على إدارةِ المؤسَّساتِ الدّوليَّةِ والاقتصادِيَّةِ والسِّياسيَّةِ والنَّقدِيَّةِ والتَّربويَّةِ، كما تلكَ التَّعليميَّةِ، أنَّ الغايةَ ألأساسَ مِن فاعليَّتِها تَكْمُنُ في تحقيقِ موضوعِ ما تسعى إليهِ؛ وليست أبداً في التَّمسُّكِ بشكليَّاتٍ متوارَثَةٍ ومراسمَ محدَّدةٍ. جوهرُ العملِ، تنفيذُ مراميهِ وتحقيقُ الفائدَةِ المبتغاةِ منهُ، وكلُّها لصالحِ العيشِ الإنسانيِّ المعاصِرِ ونُضْجِهِ الحضاريِّ وسلامةِ بيئتهِ ومَا فيها مِن خيرات.

آن لنا، والحالُ كما تُثبتُهُ المُعاينةُ المباشِرةُ، وتؤكِّدُهُ المفاهيمُ العقليَّةُ المنطِقِيَّةُ الواقِعِيَّةُ، أنْ نَعي أهميَّةَ مراقبتِنا لِذواتِنا ومتابعتِنا لِعَيْشِنا المُعاصِرِ؛ بقيامِ نَقْدٍ ثقافيِّ لِوجودِنا الإنسانيِّ الحَيِّ في هذا الزَّمنِ الذي لا يُنبئ إلاَّ عن مرارةٍ مُقبلةٍ، ولا يكشفُ سوى عن ألمٍ مقيمٍ، مُفصِحاً عن تعاسةٍ مستمرَّةٍ وتخبُّطٍ سياسيٍّ مفجعٍ وطمعٍ إنسانيٍّ قاتلٍ.

آن للإنسانيَّةِ المُعاصِرَةِ أنْ تستَثْمِرَ العقلَ الَّنقديَّ الثَّقافيَّ في رحابِ وجودِها؛ وآنَ للنَّاسِ أنْ يُعيدوا النَّظرَ في كثيرٍ مُتراكِمٍ مِن الشَّكليَّاتِ والمراسِم والأطماعِ والتَّصوُّراتِ والمصالِحِ الطَّاغِيةِ على عيشِهم اليومَ، وقد فَقَدَت كلَّ فاعليَّةٍ جوهريَّة لها؛ وعديدٍ مُتداولٍ مِنَ التَّصرُّفاتِ، قد فَرُغَ مِن محتواهُ، إذْ هوَ ابنُ بيئاتٍ حضاريَّةٍ غابرةٍ وظروفُ عيشٍ تبدَّلت.

جوهرُ عبادةِ اللهِ، في خدمةِ خَلْقِهِ؛ وجوهرُ العَمَلِ، في تحقيقِ المنفعةِ مِنْهُ؛ فليستِ العبادةُ في انتصارِ دينٍ على آخر، أو ممارسةِ طقسٍ مِن دونِ سواه. وليستِ السِّياسةُ، كذلك، فِعْلَ غَلَبَةٍ لطرفٍ على آخر، وهيمنةِ جماعةٍ على كلِّ ما عداها؛ بقدرِ ما السِّياسةُ، ومعها الإدارةُ، بمختلفِ جوانبِها وتعدُّدِ تنوُّعاتِها واختصاصاتِها، إحقاقٌ لحقيقةِ المصلحةِ الإنسانيَّةِ العامَّةِ والمشتَرَكَةُ بين النَّاسِ، والعملُ الحيُّ على تكريمِ الوجودِ الإنسانيِّ وتعزيزِ سموِّهِ الحضاريِّ.

«كورونا»، جائحةٌ حلَّت ِاليومَ بالإنسانيَّةِ؛ يُمكنها، كذلكَ، بِمِثْلِ الوَعيِّ السَّامي للكُرسيِّ الرَّسوليِّ في روما، ولِمَشْيَخَةِ الأَزْهَرِ الشَّريفِ في مِصر، أنْ تكونَ حافِزاً إلى تحقيقِ تلاقٍ إنسانيٍّ أَمْثَلٍ في شؤونِ العيشِ، وتفاعلٍ أصفى ضمنَ جوهريَّةِ العِبادة.

 رئيس المركز الثقافي الإسلامي

رئيس ندوة العمل الوطني