بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 نيسان 2022 12:00ص لوحة الفنان الكندي وليام بلفور وجوهر المأساة الإنسانية

حجم الخط
يعيدني «وليام بالفور كير» (Wiliam Balfour Ker) الفنان الكندي المولود في 25 يوليو عام 1877 في دانفيل كندا الى «قصة مدينتين» للكاتب الكبير «تشارلز ديكنز» والتي باتت المرجع الأكبر لكثيرين من كتّاب وفنانين وغيرهم. وقد رسمها عام 1905 بلونين الأبيض والأسود, وبإزدواجية الطبقات الاجتماعية ما بين طبقة الأغنياء والكادحين. فهل تعيدنا لوحة «From the depths» بالزمن حيث ثقل العالم الغني يقع على أكتاف الفقراء؟ أم أن الزمن غير الأفلاطوني يتكرر في مجتمعات تتخبط طبقيا، وبشكل مأساوي تتناقض معه الاستنتاجات بوعي يثير لدى المتأمّل للوحته معنى المحيط الفاخر ومؤثراته على الطبقة الأخرى في الزمن الفيكتوري، والآخر السفلي بمعاناته وقوة تحمّله لقساوة المواقف البشرية، خاصة تلك التي تعتمد على البؤساء في هذا العالم. فاللوحة تضعنا داخل المأساة بشكل فني ساخر صالح كمفهوم بصري يتشكل ضمن نقاط متوازنة رغم تناقض العلوي مع السفلي بمعناه. لكن التوازن هو النظام الفني المبني على قوة المعنى الجوهري لما هو فوق وتحت، وبتناقضات الأبيض والأسود والمضيء والمعتم والقوي والضعيف, وما الى ذلك من معاني تنطبق على الحياة بشكل عام وكوارثها الإنسانية بشكل صريح وحاسم في لوحة جوهرها الأساسي المأساة الإنسانية في كل عصر تراجيدي اعتمد على الفروقات الطبقية.

فتح الفنان «وليام بالفور كير» المساحة عبر نقطة مخصصة للرقص والمتعة، وهي نفسها تقع على كاهل مخفي، وان ضمن السخرية السوداء التي تجعل من سعادة البعض تعاسة للآخرين، وفق هزلية تأويلية رسمها بفن يوثّق مرحلة تأصيلية في لوحة هي جزء من قرن زمن مضى، لكنه يعيد نفسه في مراحل أخرى قد تعني للبعض الواقع الصامد في تاريخ اجتماعي، وآخر سياسي ينقسم الى علوي وسفلي تماما كما رسمته ريشة وليام التي تضعنا أمام فكرة «قصة مدينتين» للكاتب «تشارلز ديكنز» ومحاكاة الإنسان لذلك. فهل القيود الاجتماعية في الزمن الفيكتوري تتكرر في الزمن الحديث؟ أم أن ما بين تشارلز ديكنز وويليام بلفور حميمية فنية تعيد تشكيل الإنسان أدبيا وفنيا وبجوهرية التناقضات التي نرثها من التاريخ؟ وهل الاختزال الجذري في هذه اللوحة هو قدرتها على منح الدلالة البصرية لمعنى الفن في التحليل المأساوي لكل زمن بمفارقاته التاريخية وانعكاسات القديم على الجديد، كما الحال في إنعكاس الطبقة المخملية أو الارستقراطية وواقعها على طبقة الفقراء ومأساوية كل عصر من خلال ذلك؟ وهل فك رموز اللوحة هو إستجابة لواقع مماثل نعيشه حاليا؟ أم ان الريشة الفنية التي تختزن عدة ثقافات وفلسفات تعيد صياغة المأساة بأسلوبها الخاص؟

تظهر جدلية ممارسات الريشة المتمكنة من رؤية التناقضات التي تتشارك مع النظرة الراسخة في المجتمعات حول الانفصال الإنساني، بغض النظر عن المقاييس والتوازنات التي تمنح اللوحة قوة فنية تراجيدية ذات جمالية مبنية على علم التناقضات حتى ضمن النقاط المحددة في اللوحة ووظائفها في خلق شبكة ترتبط مع المحتوى والشكليات الظاهرة والمبطّنة بفن دراماتيكي ما من هروب فيه من خلال التمثيلات التراجيدية. فقد أسس الفنان «وليام بالفور» نظرته المختزلة في بقعة من ضوء وعتمة نبعت من حقيقة عصر عاش فيه وآخر قرأ عنه ربما من خلال الأدب وتراجيديته، مما جعل ريشته ترسم بتضاد عن وحشية المجتمعات ومأساويتها في مساحة هي مسافة الضوء الذي جعله ينعكس على ما هو سفلي في لوحة تهدف بشكل أساسي الى الوجود التاريخي وأهميته في كل زمن يعيدنا الى الآخر الماضي أو الحديث. فهل العلاقات الاجتماعية هي أساس الوجود كما هي الأساس في هذا العمل الفني ومنظوره الفني القديم والحديث؟