منذ ولادته 1941 في عين «المريسة» امتزج نظره ووجدانه ببحرها وقرميدها.. وافق بحرها وتكسَّر امواجه على صخورها. هو ابن لطبيب اختار ان يُلبي نداء داخله، في ميدان غير الطب ووجد ان الفن يُجسد هذا النداء، فقصد ينابيع الفن في إيطاليا حيث ارتشف ينابيع اللون واصوات الريشة وعاد إلى قلب مدينته وعين المريسة في قلبه.
عندما لقب محمّد قدورة بـ «رسّام النور» كان البياضُ الذي رافق انتاجه مستوحى من فقش امواج بحر عين المريسة وبات منذوراً في لغة جمالية خاصة به مصدرها ووحيها منطقة وجد فيها إلهامه وبوح ريشته.
في ريشته قصائد لونية تُضيء شاطئاً عشقه وباتت لوحته جزءاً من عملية تأريخية لمنطقة هي في قلب بيروت وكيانها، المكان هو الرحم الفعلي لإبداع محمّد قدورة، فمن على شرفته كان يكتب بريشته تغيّرات الزمن وتأثيراتها على المكان الذي عشقه.
ولم تمنعه الحرب الأهلية التي فعلت فعلها في محاولة تشويه تضاريس المنطقة لم تؤثر سلباً في لوحته ولم تغيِّر شيئاً في احمرار قرميدها.
هذا الشغف، وهذا العشق هما السر في تألق لوحته واصوات ألوانها، تلك الألوان المضيئة المستقاة من أفق لا حدود لامتداده، وبحر حفر في وجدانه منذ طفولته لوحات وُلدت قبل ولادة الألوان على القماش.
وُسم إبداع محمّد قدورة بالبياض كلغة جمالية واسلوب فريد في محاكاة المنظر المائي بعيدا عن تقاليد المنظر الانطباعي في التشكيل اللبناني، وهذا ما منحه هوية متفردة.
برز عشقه لمنطقته حتى في عناوين معارضه، ومن أهمها «وداعاً عين المريسة» عام 1973.
وهكذا يبقى فن محمّد قدورة شاهدا على ما كانت عليه المنطقة التي كما سبق القول قضت الحرب الأهلية على كثير من معالمها العمرانية التقليدية فيها، لكن لوحات قدورة كرّست جماليتها رغم بشاعة ما مرّ عليها.
محمّد قدورة فنان منذور غادرنا، وقد قام بالوفاء بنذره قصائد حب لونية لمنطقة عشقها وتستحق هذا الحب.. رحمه الله.