بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 تشرين الأول 2021 12:00ص مسرحية «هذيان آخر الليل» لـ هشام زين الدين: الصمت شكل آخر للموت

حجم الخط
لا تزال مسرحية «هذيان آخر الليل» للجامعي المسرحي هشام زين الدين تُحيي رمزية التمرّد والنقمة على الواقعين المحلي والعربي في الذاكرة الجمعية للجمهور على الرغم من مرور سنوات على إصدارها (بيروت، 2015). هي مسرحية من فصل واحد مُطوّل، تنهض مرويتها على حوار أربعِ شخصيات: البوّاب، المُمثل، المُمثلة 1، الممثلة 2، وتبدأ بخبر إقفال مسرح في إحدى الدول العربية وتحويله إلى دار للعبادة. يمتثلُ «البوّاب» للقرار ولكنه يُفاجَأ عشية الإقفال بظهور الشخصية المحورية في النص: «المُمثل» الذي يرفض القرار مؤمناً بأنّ «الخشبة مخيفة من دون ممثلين»، مصرّاً على موقفه حتى تظهر «الممثلة 1»، و«الممثلة 2» اللتان تشاركان «الممثل» وجهة نظره وتنخرطان معه في لعب «بروفات» ثلاث مُعدَّة عن مشاهد مسرحية لدى ديستويفسكي ولوركا وأحد أفلام الحرب الأميركية، تتقاطع وتتماهى مع الواقع المرير والفعلي الميؤوس منه لتلك الشخصيات: «نحن نُقتَل، ليس الموضوع مجرد نص مسرحي، إنهم يقتلوننا، يقتلون كل شيء جميل وحَيٍّ في حياتنا». تدخلُ المسرحية في حفلة حوارية رمزية يتناهى إلى خاطرنا أنها مازوشية خالصة في التعبير عما تقول وتعتقد، لكننا نستدرك حقيقتها فوراً في صيرورة التحول نصاً وعرضاً من الواقعي إلى المُرمّز، حيث يتجه زين الدين توّاً وبحيوية، من شخصية الإنسان الممثل الواقعي أمامنا على الخشبة، إلى الإنسان الآخر وهو يعبّرُ عن المأساة اليومية للمواطن المسحوق تحت أقدام السلطة، والماثل في لاوعي تلك الشخصيات تحت وطأة الحروب والدمار والخوف والجهل والفقر والمرض في عالمه الثالث. بهذا المعنى، يغرقُ الممثلون في دوامة من الجدال البائس ويختلفون في تحديد مصائرهم بين المواجهة والتخاذل في مواجهة السلطة الظالمة، ويبزغ الفجر وقد تهالكوا جسداً وروحاً من حيرتهم ومشاداتهم الكلامية فيتحولون إلى الرقص من الهذيان من دون موسيقى «وبشكل آلي من دون فرح» حتى يسقط «المُمثل» ميتاً على الأرض من فوره، فيجرّه «البوّاب» الى الخلف، إلى الأغراض، كأنه جزء منها، دمية من دون حياة، وتعود الممثلتان إلى موضعهما الأساسي حيث انطلقتا من بقعة مظلمة على الخشبة. قدّم زين الدين قضيةً صلبة في مشروعيتها وإنسانيتها تشكّلُ نقداً شرساً لواقع الإنسان العربي المنكمش على ذاته خوفاً من السلطة، وتؤكد نجاح اللحظة المسرحية نصّاً وعرضاً في تحفيز الوعي المُجتمعي بقيمة الكرامة الإنسانية في المعيش والحرية والعلم والقول والتقدّم، كما اجتهد في إسقاط النص المُمسرح على واقع المجتمعات العربية العبثي، من حيث هي مساحات مفتوحة للبؤس بأوجهه المختلفة، رافضاً الصمت على ما يجري «فالصمت هو شكلٌ آخر للموت، ونحن الأصليون وهم المزيّفون»، ومُتحسّراً بانكسار على لسان «الممثل» بعجزه التام، حتى اللحظة، هو ورفاقه عن الوقوف في مواجهة تلك الويلات كمسرحيين/ مواطنين سيّما أنه «لم تُوقِف أية مسرحية القتل في العراق، ليبيا، سوريا، اليمن، لبنان... وفلسطين» بعد كل الجهود والتضحيات في المسرح من أجل الأفضل في الزمن العربي الحالي. 



الحسام محيي الدين