بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 أيار 2023 12:00ص .. مع جبران خليل جبران

حجم الخط
قال: «أُحبّ أن أكون الأصغر، بين ذوي الأحلام، الراغبين في تحقيق أحلامهم ولا أكون الأعظم بين من لا أحلام ولا رغبات لهم».
ثم استوى في جلسته كتب اسماً.. أصغى الى «كورساكوف»، حلم كثيراً، وقد تمثّلت أمامه شهرزاد بشراً سوياً!
احتسى فنجان قهوته المرّة بسرعة وتابع: «لا تقنطوا فمن مظالم هذا العالم، من وراء المادة، من وراء الغيوم، من وراء الأثير، من وراء كل شيء قوة هي كلّ عدل وكلّ شفقة وكلّ ضوء وكل محبة».
قلنا: لكننا نُرغم أنفسنا على القول شيء جميل أن يعيش الإنسان، ولكن ماذا يفعل إزاء غطرسة القوة التي تسود الدنيا، خاصة حين يرى الأساطيل تجوب زرقة البحار والمحيطات، والصواريخ العابرة للقارات، في نفس الوقت يطلّ علينا وجه كابي اللون يستجدي كسرة خبز ونقطة ماء!
هذا ما يردّده البشر بأسى وحسرة، بينما السادة اغتالوا روح المحبة وحوّلوا كرتنا الزرقاء الجميلة الى قنابل موقوتة لا ندري متى يُفجّروها. حتى البحر حوّلوه الى مكبّ هائل لقماماتهم، وقد اختفت إثر ذلك عرائسه وحكاياها، ولا أحد يدري الى أين رحلت!
صمت وقد ارتسم الحزن على وجهه وقال بأسى: «أنا غريبٌ في هذا العالم، أنا غريبٌ وفي الغربة وحدة قاسية ووحشة موجعة، غير انها تجعلني أفكّر أبداً بوطن سحري لا أعرفه، وتملأ أحلامي بأشباح أرض قصيّة ما رأتها عيني.. أنا غريب عن جسدي».
لكننا نراك تعبر حدود الموت وتصرخ «الى غير هذا العالم أنتمي» ثم تذوب في ومضة شعاع حبّ وترحل الى ثنايا قوس قزح.. لنراك تخرج كل يوم إلى الوديان وسفوح الهضاب.. نراك تتسلّق قمم الجبال، فتتوهّج شمسك وتزهر أحلامك وتمطر كلماتك فوق أرضنا.. تنادينا أن نستفيق وأن نحيا ونخلع حزننا، وننسى غربتنا ونردّد معك، توبيخك للآخر: «أما أنت فقد مزّقت الأرياح نسيج أفكارك القديمة البالية، فَبُتّ قاصراً عن إدراك أفكاري العميقة، المرفرفة فوق البحار وحسنٌ انك لم تدرك كنهها لأنني أريد أن أمشي على البحر وحدي..».