بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 شباط 2021 12:00ص ملامحٌ من فاعليَّة الصُّورة في شعْر «جُوزف حَرب» 1944-2014 (1)

في الذِّكرى السَّابعة لانزراعه بخوراً معطاءً في تُراب الأرض

الشعار جوزف حرب والدكتور وجيه فانوس الشعار جوزف حرب والدكتور وجيه فانوس
حجم الخط
وُلِدَ «جوزف حرب»، في قرية «المِعْمَرِيَّة» من «قضاء الزَّهراني» في «الجنوب اللُّبناني»، سنة 1944؛ وتلقَّى علومه المدرسيَّة في «المدرسة الأنطونيَّة». حاز إجازتين جامعيتين من «الجامعة اللُّبنانيَّة»، واحدةٌ في «الأدب العربيِّ» والثَّانية في «الحقوق».
مارسَ «جوزف حرب» التَّعليم في بعض معاهد بيروت؛ كما عمل، في الوقتِ عينه، في «الإذاعة اللُّبنانيَّة»؛ إذ كتب لها وقدَّم فيها، ولسنواتٍ عديدة، برنامج «مع الغروب»، كما كتب برنامج «مع الصَّباح»، الذي كانت تقدِّمه، طيلة سنين، الإذاعِيَّة «ناهدة فضلي الدَّجاني». وكتب للتِّلفزيون عِدَّة مسلسلات دراميَّة منها: «أواخر الأيام» و«باعوا نفساً» و«قالت العرب» و«قريش» و«أوراق الزَّمن المُر» و«رماد وملح».غنَّت السيِّدة «فيروز»، عدداً من القصائد من شعر «جوزف حرب»؛ منها: «لبيروت»، «حبَّيتك تانسيت النَّوم»، «لمَّا عالباب»، «وَرَقه الأصفر»، «أسامينا»، «أسوارة العروس»، «زعلي طول»، «بليل وشتي»، «خلِّيك بالبيت»، «رح نبقى سوا»، «فيكن تنسو»، «البْواب»، «يا قونة شعبِيِّة». تولَّى «جوزف حرب»، مهام الأمانة العامَّة في «اتِّحاد الكُتَّاب اللُّبنانيين» من سنة 1998 إلى سنة 2002؛ وكانت وفاته مساءَ يوم الأحد، الواقع فيه التَّاسع من شهر شباط لسنة 2014. 
الشَّاعر، العربيُّ اللُّبنانيُّ، «جوزف حرب» واحدٌ من الكبارِ الذين يتصدَّرون المسيرة الشِّعريَّة العربيَّة المعاصرة، بنتاجٍ عماده، فضلاً عن ثقافة تضرب في أعماق الوجود الإنسانيِّ، مستعرضةً ودارسةً ومحللِّةً ومستنتجةً، حسٌّ مرهفٌ وذوقٌ أنيقٌ يعرف صاحبهما كيف يَصوغ من خلالهما إبداعاتٍ جماليَّةٍ ومضمونيَّةٍ ما برحت تترك بصماتٍ واضحةٍ من حيويَّتها في مسيرة الشِّعر. فشعر «حرب»، أكان بالعربيَّة الفصحى أو بالعربيَّةِ اللبنانيَّة المحكيَّة، طرازٌ رصينٌ، بعمقِهِ في الفكر الإنسانيِّ؛ ورائعٌ، بجماليَّاته في رحابِ العطاء الفنِّي.
يشهدُ لـ«جوزف حرب»، في كلِّ هذا، مجموعة ضخمة من النِّتاج الشِّعريِّ، أوُّلها «شجرة الأكاسيا» سنة 1986، ومنها «مملكة الخبز والورد» سنة 1991 و«الخصر والمزمار» سنة 1995 و«مقصّ الحبر» سنة 1969 و«السيِّدة البيضاء في شهوتها الكحليَّة» سنة 2000 و«شيخ الغيم وعكَّازه الرِّيح» سنة 2002 و«رخام الماء» سنة 2007 ، فضلاً عن «سنونو تحت شمسيَّة بنفسج» سنة 2005 و«طالع ع بالي فِلْ» سنة 2007، ثمَّ «المحبرة» سنة 2006، وصولاً إلى آخر ما نشره سنة 2009 «أجمل ما في الأرض أن أبقى عليها» و«زرتك قصب فلّيت ناي»!
يتجلَّى الشِّعر، في أعمال «جوزف حرب»، عبر سُبُلٍ عدَّةٍ تُشَكِّل الصُّورةُ أبرزها حضوراً وأهمّها فاعليَّةً وأشدَّها تأثيراً في أَلَقِ الحضور الشِّعريِّ وعطاءاته. فشعر «حرب»، وقبل أيِّ أمرٍ آخر، صورةُ لا تنتظمُ حيِّزاً معيَّناً أو محدَّداً من دَفْقِ الشَّاعريَّة عنده؛ بقدر ما تُشَكِّل لُحمةَ هذه الشَّاعريَّةِ وسُداها. شعرُ «حرب» وحدة عضويَّةٌ متكاملةٌ؛ فيها مضمونٌ وصورةٌ تزاوجا، حتَّى ثمالةِ ما في الزَّواجِ من روعةِ المشاركةِ. 
«المِحْبَرة»، كتابُ شِعرٍ نَشَرهُ «جوزف حرب»، في 1725 صفحة، تضمَّنت 29 باباً، وحَوَت 385 قصيدة. انشغل «جوزف حرب» بهذا العمل لأكثر من سبع سنين؛ ثمَّ تفرَّغَ لوضعه، بشكله النِّهائيِّ، أكثر مِن سنتين متواليتين من عمره؛ انزوى فيهما، انزواءً كليَّاً عن النَّاسِ، في قريته «المِعْمَرِيَّة»؛ ونَشَرَهُ سنة 2006. إنَّهُ، وكما يُعرِّفُ «جوزف حرب» عنه في مقدِّمته، «مجموعةٌ شعريةٌ لِـ «للْكَوْنِ»، أرسلها إلَيَّ لكي أنقِّحَها له. هي ستُّ غيماتٍ عليها خُطَّ ستُّ قَصَائدٍ جُمِعتْ بِدِيْوانٍ يُسَمَّى الخَلْقَ». (ص. 15) وإذ يطرح «الكَوْنُ»، حول كتابه، السُّؤال على الشَّاعر «هل هو صالحٌ للنَّشرِ؟» فيأتي الجواب، في خاتمة «الكتاب، «يا مُبْدِعَ النَّصِّ العَجِيْبَ الحِبرْ، نَصٌّ بَهِيٌّ صَالِحٌ للنَّشرِ» (المحبرة، ص. 1708).
تأتي الصُّورة عند «حرب»، ترنيمةَ سعيٍّ وصدقَ تاريخٍ في حَمْأةِ وعيٍّ وجدانيٍّ يستشرفُ الفجيعةَ والأملَ في آنٍ؛ ويصدحُ الواقعَ وجودَ فنٍّ يُشرقُ بالنَّصِّ على فضاءاتِ العَيْشِ، كما في «شجرةِ الأكاسيا»، أوَّل ديوان له نَشَرَهُ:
وتعِبنا
دمُنا قلَّ. بماذا نحفرُ الآنَ؟
ولا ماء لدينا. وعِظامُ الشُّهداء انكسرَتْ في حَفْرِ
ماضينا
ولكنْ
لم نَجِدْ
بعدُ الجنوبْ.
فجمعنا دمَنا الباقي، وأطرافَ جذورِ
الشَّجرِ القاسي،
حفرنا
فسمعنا صوتَ ماءٍ،
فحفرنا،
فإذا النَّهرُ المقدَّسْ.
وعلى
صخرتِهِ
قامَ رسولٌ. صرخت زينب من
أعماق عينيها:
الجنوب!!
وتوقَّفنا.
رأيناه جليلاً،
وقديماً كإلهْ،َّ
طالعاً كالسَّروِ، محفوفاً بأتباعٍ له
من شجرِ الأرضِ
تبرز الصُّورة في شعر «حرب»، في مثال آخر، لكن هذه المرَّة من «شيخُ الغيم وعُكّازُه الرّيح»، حاملة لمشهد قصصي، فيها شخوص القصِّة وتطوُّر أحداثها؛ وفيها تعملّق الأحداث وتطوُّرها الدرامي وصولاً إلى أقصى ما يمكن للبُعد الدرامي في القصِّ أن يُزْهر وجوده به: 
مَا
أبْقَـيْتُ في صَحْني لُقـْـمَه،
ضَرَبَـتْنيْ
الرّاهـِبَه!
لَمْ تَكُن تـَعْلـَم أنّي اعتَدْتُ فيْ
البَيْتِ إذا نحنُ جَلَسْنا حَوْلَ صَحْنِ واحدٍ،
فَوْقَ الحَصيْرَهْ،
وَأكَلْنَا
جائِعِينَ،
أَنْ يُخَلّيْ كلّ مَنْ يأكل مِنّا
لُقْمَةَ الصّحنِ الأخيرهْ،
دائِماً
للآخَرينْ.
--------------------
* رئيس المركز الثَّقافي الإسلامي