بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 حزيران 2020 12:00ص من فوائد الموسيقى!

حجم الخط
هل هدف الموسيقى هو اللهو وترويح النفس، يعمد المرء إليها من أجلهما ما يعمد إلى السُّبات؟ وهل نحقق بالموسيقى، إلى جانب الرقص، هذا الهدف الذي كثيراً ما نحتاج إليه ضمن ضوابط ترفع من مستواها؟ هل تحمل الموسيقى بعض الشيء على الفضيلة، كما تؤثّر الرياضة في الجسم وتكيّفه لبعض الصفات الحميدة على ما جاء في «نشيد الرياضة» الذي تنشده بتوقيعنا الأندية هنا وهناك؟ هل شأن الموسيقى أن تتسبّب بشيء من اللين والاعتدال وتؤتي المرء تعقلاً في التسلية من غير أن تترك في النفس أثراً باطنياً عميقاً؟

لا يخفى على أحد ان اللهو ليس الغاية التي يفرَض تهذيب الأحداث من أجلها، لأن اكبابهم على العلم ليس لعباً، إذ العناء والكدّ يلازمان التعلّم. إذا ما تركنا نخبة ما تُقْبِل على تعلّم فن الموسيقى ونَعِم العامة بلذاتها وأصابهم حظهم منها بتعلّم غيرهم لها، لم تتحسّن أخلاق العامة ولم يتمكنوا حتى من أن يبدوا رأياً صائباً في ما طاب أو فسد من ألحانها، فيتوسّلوا الموسيقى الراقية للتمتع بدعة العيش والتعاون والتسامح، ولِمَ لا الانصراف أحياناً إلى الملاهي الشريفة!

في وسعنا هنا أن نستلهم قدامى الآلية في حدسنا: فان ملك الآلهة الاغريق زفس نفسه، في عرف كبار الشعراء العالميين، لا يغنّي ولا يعزف القيثار وكثيراً ما نستصغر قدر بعض المغنيين والعازفين في أيامنا هذه! ولكن، ألا يترتب علينا أن ندرج في مناهجنا التربوية بعضاً من فن الموسيقى بالتدريج؟

الموسيقى علاج لما تولّده أَنصابُنا من همّ وغمّّ. انها مدعاة اللذة بل الفرح والسعادة، مجردة كانت أم مقرونة بالغناء. الموسيقى تشرح النفس وتبهجها لأنها ليست موضوع لذات مبتذَلَة. طبيعة الموسيقى انها جامعة شاملة مانعة، وهي أشرف لغة وأسماها على الإطلاق وأوفرها التصاقاً بالطبيعة البشرية. لذا، تستطيبُ استخدامها جداً كل الأعمار وكل الأمزجة وكل الأخلاق، بل اننا نرى انها تمّت في شيء إلى تهذيب بالخلق والنفس. بفضلها نعزّز الأخلاق الرضية والفِعال الجميلة.

اننا نجد في الايقاع والغناء، للعفة والوداعة والشجاعة وكل نقائض هذه الحالات النفسية، وكل الصفات الأخلاقية الأخرى، محاكاة تداني الطبيعة أقربَ مداناة. فنحن نشعر بتبدّل يطرأ على حالنا عندما نسمع غناء أو إيقاعاً.

اتّفق أن لا تكون للأخلاق محاكاة ما في المحسوسات الأخرى، كالملموسات والمذوقات. أما في المرئيات كما في التلفاز فللأخلاق محاكاة ضئيلة، لأن المرئيات رسوم خفيفة للأخلاق، والجميع لهم نصيب من هذا الشعور. علاوة على ذلك، ليست المرئيات محاكاة للأخلاق، وإنما رسومها وصورها وألوانها هي إشارات إلى الأخلاق، وهذه الأخلاق تبدو في انفعالات الجسد. وعلى كل، فمهما يكن من اختلاف في النظريات بشأن هذه المرئيات وتأثيرها، يجب ألا يشاهدها الأحداث. أما الأغاني، ففيها محاكاة للثقافة والأخلاق، وهذا أمر ظاهر، إذ تختلف طبائع الأنغام اختلافاً صريحاً، يجعلنا نشعر بحالات نفسية متباينة، تتنوّع بتنوّع كل من تلك الأنغام. فالبعض منها يثير في النفس الشجن ويحملنا على الأسى والانقباض، والبعض منها يهيب بالنفس إلى الرخاء، وغيره يولّد فينا حالة متوسطة معتدلة، وسواه يهيج في النفس نشوة الطرب والحماسة.

وما قلناه في الغناء يقال أيضاً في الأوزان...

الموسيقى قادرة على أن تكيّف الأخلاق ببعض الصفات والمزايا. وهكذا، أضحى جلياً انه لا بدّ من حمل الأحداث على تحصيلها ولا بدّ من تهذيبهم بها، ان الأحداث بسبب سنّهم، لا يصبرون برضى على شيء خالٍ من المتعة.

والموسيقى بطبيعتها من الأمور اللاذَّة المستطابة، وكأن فيها وفي الشعر قرابة تمتد أواصرها إلى نفوسنا. ولذا، ادّعت طائفة كبيرة  من الحكماء أن النفس نغمٌ، وادّعت طائفة أخرى ان النفس تنطوي على الأنغام.



أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه