بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 كانون الثاني 2023 12:00ص من نوادرهم (3)

حجم الخط
نوادر أهل الثقافة تختلف ربما بعض الشيء من نوادر غيرهم ولعل هذا الاختلاف يعود الى كونه يكشف الوجه الآخر لهم وهو نقيض الوجه الجدّي الذي يميّزهم.
من هذه النوادر ان الشاعرة المرحومة أنصاف معضاد الأعور كانت خلال فترة الثمانينات تقيم في منزلها في منطقة الأونيسكو لقاء ثقافياً يجمع وجوه الوسط لمناقشة قضايا ثقافية تهمهم، وتستقبلهم بوجهها الباسم وخصلة شعرها البيضاء المتمردة والكرم المعروفي المعروف.
في ذلك اللقاء الذي نتكلم عنه كان بين الحضور عملاقان من أئمة اللغة هما القمة آنذاك والمرجع اللغوي للاستشارة والفتوى وهما الدكتوران عفيف دمشقية وأحمد حاطوم رحمهما الله.
وخلال صعودي المصعد مع الدكتور أحمد حاطوم عرضت أن يكون هذا اللقاء حامياً من حيث الشغب يعني أن يكون طرح الموضوع حامياً يستحق النقاش الساخن فوافق.
كان موضوع اللقاء وظيفة اللغة وراحت الآراء ووجهات النظر تتداول بين الحضور الى ان حانت اللحظة المناسبة.
قلت ان وظيفة اللغة هي أداء المعنى وحسن الوصول إليه، إذ انني أرى انه يجب النظر في تعديل بعض قواعدها فأنا لا أرى فرقاً في القول بين (جلس الرجلان) أو (جلس الرجلين) إذ انه قد تمّت تأدية المعنى.
قلت هذا وأنا أعلم مدى ردّة الفعل عند الدكتور عفيف دمشقية على وجه الخصوص وكان هو المقصود بذلك.
وكأنني فجّرت قنبلة إذ انتصب د. دمشقية واقفاً وقد استشاط غضباً مهاجماً بشراسة وانفعال هذا الرأي ومن يقوله لأنه وان دلّ على شيء فأنه يدلّ على جهل ويشكّل اعتداء صريحاً على سلامة اللغة وقواعدها.
وساد الهرج والمرج وصوت د. دمشقية الجهوري يلعلع.
واستمر الوضع على هذه الحالة حتى لاحظ الجميع ضحك د. أحمد حاطوم وهو يقول بصوت منخفض: نجح الرجل في مسعاه.
فاكتشف دمشقية سر اللعبة وتحوّل الأمر الى جو مرح نقيض ما سبقه.
ونظر إليّ د. دمشقية نظرة معاتبة وقال:
- سامحك الله على هذه الفتنة.
رحم الله كبارنا الذين رحلوا. كبار في الثقافة والسياسة والاقتصاد الى آخر المجالات خصوصاً في هذا الخواء الذي نعيشه ولا يبدو له نهاية.