استفاق «أبو خليل» مفعماً بدفق من نشاط وحيوية على غير عادة، والسبب انه رأى في ما يراه النائم حلماً جميلاً اعتبره بشرى بحل مشكلتين اساسيتين يعاني منهما: وضع بعض البنزين في خزان سيارته الهرمة والعثور على دواء الضغط لأم خليل.
غمره تفاؤل بأن طابور الانتظار أمام محطة الوقود لن يكون طويلاً، خرج مع ابتسامته قاصداً محطة الوقود التي اعتاد التعامل معها، ولدى وصوله تبين له ان من سبقه قد شكل طابوراً يستطيع مشاهدة أوله ويتعذر عليه رؤية آخره، بسمل وحوقل وانتظم تحت شمس حزيران الحارقة متابعاً دبيب النمل في حركة الطابور الطويل، غمره عرقه وراح يتمتم بعبارات لم يعتد عليها لكنها تريحه قليلاً..
ساعات طويلة ووصل إلى الخرطوم السعيد!
- فقط ثلاثين ألفاً... قال المُمسك بالخرطوم.
- أحسن من بلاش.. قال لنفسه.
خرج من محطة الوقود مزهوا بإنجازه، وراق له صوت مؤذن المسجد القريب لصلاة الظهر.
بدأ الجولة الثانية من استراتيجيته بالبحث عن دواء «أم خليل».
- ما في... ما في...
ربط بين العبارة مع زيادة حرف الألف عليها لتصبح «مافيا».
لم ييأس، أصر على الاستمرار في بحثه، فصحّة شريكة العمر غالية.
أحد الصيادلة بعد ان شاهد عرقه الغزير نصحه ان يقصد صيدليات خارج العاصمة، فقبل النصيحة وانطلق، لكن عبارة (ما... في) ظلت تمزق سمعه.
اكتشف مع اقتراب الغروب ان «فالج لا تعالج» فقرر العودة إلى المنزل حاملا خيبته.. محتاراً ماذا يقول لأم خليل.
قبل الوصول إلى المنزل بقليل راحت سيارته العجوز تتقافز، تسير أمتاراً وتقفز... ثم أسلمت الروح.. (خلصو البنزينات).
- دفشة يا شباب.
فتجمع عدد من أناس يشبهونه للمساهمة في الدفش إلى أمام أو قرب المنزل..
تلك حكاية كل يوم.