بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 آذار 2019 12:01ص «منذ دهر وثانيتين» لجميل داري شِعْر بسيط.. مُعَقَّد وسهل ممتنع

حجم الخط
قنّن الشاعر «جميل داري» الخطاب الشعري في ديوانه «منذ دهر وثانيتين» الصادر عن دار الرابطة للنشر والتوزيع مانحا لنفسه قوة الوزن بصياغة قيدها بالدقة المتوخاة بالشعر المقيد بالأشكال الشعرية والشعورية معا، ليميزها بتأثيرات فنية متعلقة بالمعنى والنغمة معا. وفق ثنائية ايقاع الحرف وايقاع الوزن،  فهو يحافظ على شكل القصيدة وفق المعنى، كما استطاع أن يتفرّد بهذه الميزة التي تدل على ذوق شعري انتظمت فيه المقاييس اللغوية قبل الشعرية، بتجانس مع ايقاع القصيدة وفق قاعدة ترتبط بالجملة الموسيقية الشعرية والجملة النحوية او المقطع الشعري المتزن المحافظ على اتزان الإيقاع سمعيا او لفظيا يستسيغ السمع جاذبية الكلمات المدوزنة، مما يعكس قدرته على خلق التأثيرات  الأكثر حساسية من العنوان الذي بدأه منذ بداية الإنسانية ودهور الخلق وبداية البشرية وصولا الى زمنية الثانية التي يعيشها الإنسان بعمره القصير على عكس القصيدة التي تمتد مع امتداد الإنسانية، وبين الدهر والثانية  موجز مسار الأصوات التي حافظ عليها في قصائد هذا الديوان  المؤثر في ايقاعات قصائده وفق تخطيط سمعي بصري، وكتابة فنية هي الجزء المكمل لألق القصيدة، تأثيرات صداها يتناوب القوافي بقيود لم يترك لها التراخي رغم انسياب المعنى، كأنه يجمع بين الصوت والمعنى والقافية والصورة، وبهذا دمج في ديوانه الفن الشعري الذي لم يقتصر على نشأة القصيدة فقط، بل بالمقياس الفني وجماليته في القصيدة.
«ومنذُ القِدمِ فرَّطَ بالقوافي\ فكمْ مِن شاعر، كمْ مِن رسولِ» حتى نهاية القصيدة الموشومة بالفوضى الخلَّاقة التي أوجدَها الكبارُ وينفّذُها الصِّغارُ باسمِ الوطنِ تارةً وباسمِ الثَّورة تارةً أخرى، حتى لم يعدْ هناكَ لا وطنٌ ولا ثورةٌ إلا في خيالِ الطوباويينَ. فهل يحول جميل داري القصيدة الى الوطن المنظم الذي يحب افراده بعضهم بعضا؟ 
تشكل قوة الكلمات في قصائده الاخرى ضمن هذا الديوان صوراً تعبيرية ذات شاعرية تتيح باستعاراتها الجمع بين المعاني وفق الهدف الذي يرسمه او الاتجاه بالقصيدة نحو  الخط الذي يحدده لها دون هشاشة في الافعال «تطعم، وتبعد، تهز، هجرت... الخ» اذ يحار القارىء قصائده بين تنوعاتها التي تجتاح صنوف المعاني سواءفي قصيدته «أيقونتي» أو «سأخرج» حيث تتقلب المفردات بين السكون والحركة بتذبذب يميل الى تشذيب يمارسه على اللغة التي يمنحها الصيغ والتراكيب  بتناغم شد وتره  بحنكة شاعر يدرك ماهية فن اللعبة الشعرية مع الحفاظ على اصداء النغمات الايقاعية الداخلية وتحولاتها دون اسفاف او ممارسة القسوة لضبط الوزن او عدم خروج قافيته عن شرعيتها محافظا على الأحاسيس التي يغمرها  بطباع شاعر يرنو الى ايقونة فنية يحولها الى كلمات تجتمع فيها اسرار النفس الإنسانية التي تتطلع الى الجمال والكمال ، وان من خلال قصيدة يبحر معها في بحور واسعة من قصائد جمعها في كتاب تحت عنوان «منذ دهر وثانيتين» فهل يحاول «جميل داري»  استخراج الجمال من القوافي؟ أم أن الشعر عنده المحور الاهم لانصهار اللغة مع الاستعارات والصور البيانية للعزف  وفق روح القصيدة ونغماتها الداخلية؟ 
يحتفي شاعرنا في ديوانه بنوع شعري بسيط معقد في آن كتحديات السهل الممتنع الذي يقدمه كطاقة روحية للمتذوق الذي يشهد الخليقة الشعرية المنبلجة من التصورات وفق قوله المتواضع «لم يتركِ الشُّعراءُ لي لغةً و لا \صوراً بها في وحدتي أتسلَّى\من ها هنا وهناك أنهلُ جرعة \ فلعلَّها تشفي الغليلَ.. لعلَّ\ صعبٌ هو الإبداعُ مثلُ جهنَّمٍ\ لكنَّهُ يبدو لغيريَ سهلا»  فالقصيدة تكشف عن مفهوم معين هو نهج شاعري يحترم من خلاله شاعريته التي يحسبها كالنجوم المرصعة بأضواء لا يسعى إليها وإنما هي مقدمات ذات سعة ابداعية ينهل منها القارىء وهو يغوص في مساراتها الداخلية، مما يعكس ثقافته الشعرية الغنية بتنوعها الثري والذي يعكس قيمة قصائده في هذا الديوان الذي وضعه بين فترتين زمنيتين الدهر والثانية . فهل من قيمة واحدة تجمع بين أزمنة الشعر أم أنه يجسد الزمن الموجوع حيث فقد الشعر قوته وبات الابداع مثل جهنم ولغيره سهلا؟