بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 كانون الثاني 2021 12:00ص مهمّة لوزيرة الإعلام!!

حجم الخط
في غمر الخطابات الجوفاء الرعناء، التي تواكبها حِدة نبرة من هنا وجهامة قسمات من هناك وتقطيب جبين من هنالك، لا يزال معظم النافذين والمسؤولين - بلا كبير مسؤولية واستشراف-، يزرعون في عقول الناس مقولة ان حياتهم تنبعث مما قُدّر لهم من هنا أو من هناك، وانه مكتوب عليهم أن يضحّوا بل يستشهدوا في سبيل هذه القضية أو تلك من القضايا المستوردة في أكثر الأحيان. ألم يشعر أولئك الجهابذة ان دعواتهم وكلامهم المكرّر غير المعجَّل، باتت كلّها بلا حضن دافئ يحتضنها؟

استكبار واستصغار وتجبّر وفقدان زمام المبادرة، واختلال سافر في المعايير وتذرّع يائس باعتبارات وأقنعة طائفية خليقة بأزمنة الكرنفال!

من جملة ما زرعته منذ أن زرعني الله في تربية التعليم الجامعي والكتابة منذ سنّي الحادية والعشرين، ان ثمة علة موجبة وعلة مانعة. في الحقل السياسي الذي لا يكاد يجتذب حتى الساعة عندنا سوى النفوس الضعيفة، العلة الموجبة هي الطبقة «الحاكمة» عموماً التي تسببت بهلاكنا علي غير صعيد وفي غير مجال، والعلة المانِعة هي القوى الخارجية التي تحول، ولو بدرجات، دون حلّ مشاكلنا المتداخلة من غير أن تلغينا من الخريطة العامة!

نقم عدد كبير من أهلنا على هذا الظلم الفادح في المرحلة الأخيرة، وتمسّكوا وإنما عشوائياً، بحقوقهم المشروعة، فالحق ينتزع انتزاعاً ولو كان في حاجب الشمس أو في نهر المجرّة.

في كتابي الثالث بعد الخمسين، وكذلك مقالاتي شبه اليومية منذ عام 1968، أعود غير مرّة لأسأل التاريخ عن الثورات العالمية الحقة على كل باغٍ وظالم. فالثوار الحقيقيون في الروع صواعق تنقضّ على الطغاة، فتدكّ عروشهم ولو وهمية، وتقوّض دعائم سيطرتهم.

في غمر ما نتخبط فيه من معضلات متداخلة، نطلب من وزيرة الإعلام خصوصاً، التي لا تفتقر إلى ملكة الكلام والتي أضفت بأنوثتها عطراً ورونقاً، أن تؤازر ثوارنا لينبتوا قيادات لهم ويقوّا شكيمتهم وينضجوا حنكتهم بما أوتوا من توجيهات المفكرين والمتنسّكين، وفي إطار من المنهجية المتماسكة، ومن أدوار الثورة - التي تمسي حقيقية فاعلة:

1- تحديد الهوية اللبنانية انطلاقاً من كبار الفلاسفة وعلماء الجغراسيا أو الجغرافيا السياسية.

2- الركون أيضاً إلى استفتاء ما حول هذه الهوية.

3- ترويض قساوة المتكلمين وصلفهم بسماحة الخطاب والعودة إلى قدامى فلاسفتنا وخصوصاً ابن رشد والمعتزلة وابن خلدون.

4- الدعوة إلى دبلوماسية هادئة هادِية لتمزيق المخططات الجهنمية التي تُعَدّ إقليمياً ودوليا.

5- إيلاء الفقراء والمقهورين بالدرجة الأولى، كل اهتمام وكل رعاية واستعادة الطبقة الوسطى ودورها في الحياة التي تتقدّم على أي مشروع ولا سيما مشاريع الاستشهاد للاستشهاد!

هكذا تستحيل أخطاء الأمس وقوداً لدروس إعلامية تربوية إرساءً لمناخات من الصفاء توصل الجميع إلى مقوّمات البقاء والتطوّر بل الازدهار.

لا يبحثَنَّ أحدهم بعد الآن، عن سبيل إلى توازن قوى محلية تدعمها قوى خارجية لمصالحها هي، بل عن سبيل إلى بلوغ قوى تضمن التوازن الوطني. فالشعب اللبناني، على الرغم من نزعته التجارية المفرطة وتالياً حبّه للفوضى والتفلّت أسرة أصيلة نبيلة شأنها أن تتوحّد، على اختلاف مستوياتها أمام الخطر الداهم، وتحرص كل الحرص على إبقاء الأمة اللبنانية حرة كريمة لا كلمة فيها إلا للبنانيين وحدهم، ولا مكان في أجوائها إلا لراية المواطنة الصالحة بل الإنسانية الفاضلة.

هذه مهمّة نرفعها بكل محبة وبمنتهى الوضوح والصراحة إلى الوزيرة الراقية ولربما سواها، فالمطامع الداخلية والخارجية يجب أن تتحطّم على صخرة الحق، إذا كان هناك مَن يحترم الحق، أو يصغي إلى صوت العدالة والضمير الحي.

أما إذا كان الضمير (وما إليه) قد مات وقُبر، فاننا لن نبكيه، ولن نندبه ونرثيه كما يصنع الضعفاء الذين لا رجاء لهم، ولكننا سنحاول احياءه، بمؤازرة الوزيرة «الصامدة»، بكل ما نقوى عليه من منطق وثبات وتضحية، ولا بدّ من أن «ننال» يوماً مبتغانا!


أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه