بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 نيسان 2022 12:00ص نادوا على السطوح!

حجم الخط
صرخ العاقل في قومه قائلاً: إذا خفيت الحقائق، تحكّمت الأوهام والسخافات، فاحذروها! فضجّ القوم مستنكرين، وقالوا إنه مجنون!
وصاحت الحكمة في بيئتها منادية: لا تكتموا الحقّ وأنتم تعلمون.
فعلا صخب المكابرين، الذين لا يتراجعون أبدأ عن ترّهاتهم وآرائهم الباطلة، لأنهم من أبناء الظلمة، فالنور يؤذي عيونهم، وقالوا للحكيم إنه جاهل!
وارتفع صوت الوطنية التي تبني بيتها على أسس الحب الصافي، وتدعو أبناءها الى التعاون الصادق، فثار ثائر الهدّامين، وألقوا البلبلة بين الفعلة الوطنيين، فأعاقوا بناء البيت، وقالوا للوطنيّ إنه خائن!
وجاء النبي ينذرهم بلسان جبران قائلاً: ويل لأمّة كل طائفة فيها أمّة!
فرجموه واتّهموه بالكفر! وقام فيهم الحرّ مناديا بلسان فولتير: لا أثر لوطن حرّ إلّا بمواطنين أحرار. فألمهم النصح، والحقيقة كالمبضع تؤلم وقالوا من كيدهم انه ثرثار! وانتصب الحقّ في الجماعة مردّداً الحديث الشريف: احثوا التراب في وجوه المداحين الأفّاكين!
فوقفت الزّلفى بينهم وبين الحق، وحجبته عن أبصارهم، وأصمت آذانهم عن سماع أقواله، وحرّضتهم على الابتعاد عنه، لأنه يمشي في الشارع عرياناً، شأن الحق مدى العصور، فهزأوا به ساخرين وقالوا انه بلا حياء! وكما قال المسيح عند شقّ الفجر، مناشداً تلاميذه بإعلان الحقيقة على السطوح، كذلك نهض باكراً العاقل، والحكيم، والوطني، والنبي، والحرّ، والحقّ، وتضامنوا صارخين بأمّتهم: اننا نقول ما يسكت عنه الآخرون، ولو جرّ علينا القول مغرماً.
وأمام هذه الأصوات العالية كأصوات أبواق الجبابرة، تمزّقت حجب الأوهام والخرافات، وتوارى الباطل وأتباعه في أوكارهم المظلمة، وبرزت الأمّة من خدرها، متسربلة بثوب شفّاف كالحقيقة التي يظنّها الجاهل عارية.
لا تعجب يا صاحبي، لقوم يؤثرون الأوهام على الحقائق، فأمثالهم عاثوا فساداً بين الورى مدى الأزمان، كما علّمتنا التواريخ .
وأمثالهم اهتدوا آخراً، والله يهدي مَن يشاء.
فالضمير له، مهما طال الزمن، يقظة مفاجئة، فإما أن تقتل الإختلاجة الضلال في نفس الإنسان وتنجّيه، وإمّا أن يميتها الباطل الى الأبد، فتظلّ النفس هالكة، ويموت مع الضمير الصوّاني، كل شعور وطني نبيل.
فإذا رأيت يا أخي أمثال أصحاب هذه الضمائر الضالّة، فبشّرها بجرأة المؤمن بالحقّ والوطن، ولا تنسَ الحكمة في قول شوقي:
قد تفسد المرعى على اخواتها شاة تشذّ من القطيع وتمرق
ولا تنسَ أن بيت الوطن، يتألف من حجارة كثيرة، فإذا نقص حجر واحد منها، لا يكتمل البناء. فالوطن يحتاج الى جميع أبنائه، وخصوصاً المكابرون الضالون، على مبدأ «عنزة ولو طارت».
ليس من الهيئات اجتذاب الضالين إلى الحظيرة، ولكن كل جهاد في سبيل الوطن سهل مهما كان شاقا.
فحب الوطن يمهّد كل الصعاب، والإخاء يستسيغ كل عذاب، في سبيل اتحاد الأمّة.
الأمّة أشبه ما تكون بشجرة تحيا بجذورها، فإذا اعتلّت هذه الجذور، يبست وتساقطت الأوراق، وماتت الشجرة! والشعوب كالشجر، تحتاج إلى أصول ثابتة تنبت عليها الفروع، وتتغذّى من تربة واحدة صالحة لتحيا. ليس عدوّاً للبشر من يفضح عيوبهم، لعنايته بأمرهم، وغيرته عليهم، وإنما العدو هو الذي يصمت عن علم، ويترك العيوب تقوّض كيان المجتمع، وتهدم أبراج الوطن.
من له أذنان للسمع، فليسمع في وطنية واعية.

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه