بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 آذار 2020 12:01ص «نبضات الفكر» لـ «سوسن شوربا قدوح» مفاجأة إنسانية في كتاب

شلال متدفّق من المشاعر والتجارب.. وقلب شفّاف عابر للآلام..

غلاف الكتاب غلاف الكتاب
حجم الخط
أنا في البداية لست قارئاً نهماً، ربما لهذا السبب اخترت الفنون المشهدية عبر الشاشتين والخشبة، والسمعية من خلال هوائيات الإذاعة، بعيداً عن الفلتان السائد في عالم النشر الذي جعلني أقرر الإبتعاد عن كم لا يصدّق من نرجسية من ينشرون دواوين أقرب إلى مواضيع الإنشاء في الصفوف الإعدادية، أو قصصاً تحتاج إلى من يضبطها لغوياً وهندسياً لكي تأخذ صفة القصة الصالحة للمطالعة، لذا فإن ما أعتبره إستثنائياً هو تعلّقي بكتاب من القطع الوسط للسيدة «الليدي» سوسن شوربا قدوح، عنوانه «نبضات فكر» (صادر عن دار الفرات للطباعة والنشر) سلّمتني نسخة منه في باحة مسرح مونو حيث كنا نتابع عرض مسرحية «درج» للمخرج شادي الهبر يدير مايا سبعلي، وأبلغتها حينها أنني سأكتب عنه في حالة واحدة: إذا هزّني.

ولست بحاجة للقول إنني تأثّرت كثيراً به، لذا هأناذا أتناوله في مقالة مستقلة لأنه أدمعني وذهب بي إلى جملة مشاعر قوية مؤثرة يصعب تركها تعبر من دون تناولها بما يليق بها من مفردات أو صور توازي ما أقدمت عليه السيدة «سوسن» في الـ 103 صفحات من القطع المتوسط وهي تفضفض عن عالمها الداخلي الخاص، كإمرأة، وكأم، وكإنسانة خبرت الحياة متنقلة بين بلدان عديدة حيناً تقطف زاد ثقافة أكاديمية وحيناً آخر تفوز بمتعة العيش بين جمالات المدن وسحر الطبيعة، إلى أن فاجأها الخبيث، جاءها وهي أم شابة لولدين، وزوجة لرجل عرف أن يكون كل شيء جميل في حياتها، فلم تضعف أو تجبن، أو تستسلم، بل خاضتها حرباً ساحقة ماحقة لسنوات من خلال معارك قاسية عرفت خلالها معنى الحب، والتضحية وقيمة الحياة ولم تخف ولو مرة واحدة من الموت، بل جابهت بثقة وعزيمة وأقدمت على الحياة بشغف، راغبة في ألاّ ينعكس الجانب المأساوي من مرضها على عائلتها وأحبتها، هم كانوا يدارونها في البداية وعندما تفاجأوا بقوتها أخذوا روحاً منها ليصنعوا معاً أسطورة هزية الوحش المفترس المسمّى: السرطان.

ليست الحكاية هي التي دفعتنا لتناول الكتاب بالقراءة النقدية، بل هي الأفكار المتزاحمة الصادقة المباشرة التي تدفقت في نص السيدة «سوسن» من دون أن تراعي ربما كيف سيقرأها الآخرون، بدت مطمئنة وكأنها تكتب مذكراتها لكي تُبقيها في درج مكتبتها الخاصة لا أن تنشرها، هي تحكي عن إستئصال ثدييها عن تغيّر معالم الأنوثة في مظهرها، وعن مداراتها نظرة ولديها إليها بحيث لم ترغب أن تظهر أمامهما من دون شعر رأس، حتى كانت الصدفة الميلودرامية، وفاتحتنا بما دار في خلدها مع حلول الليل وإنعدام قدرتها على النوم، من كثرة الهواجس والشوق دائماً لولديها، وإذا بها من خلال تجاربها مع الألم والمرض واللون الأحمر للعقاقير الكيميائية، تعثر على فسحة أمل نقلتها إلى من يتألمون لكي تبث إليهم البشرى، بأن السعادة الحقيقية هي نتاج الألم الصعب، وبالتالي حوّلت معاناتها إلى فرصة إيجابية لكل من إعتقدوا أنهم إقتربوا من الموت، وهي أقسمت أنها لم تفكر فيه ولا مرة.

وكم تأثرنا بكلامها عن تأثير أغنيات الرائع الراحل شارل أزنافور فيها طوال مدة مصارعتها المرض وبعد هزيمته، ونحن معها في أن الفن المؤثر بإمكانه أن يكون علاجاً لكل الأمراض سواء كانت عضوية أو نفسية. وقد غمرتنا السيدة الجميلة روحاً وشكلاً بثقافتها العميقة من خلال تجوالها في مناطق مختلفة من العالم (باريس، جنيف، روما، أمستردام، موسكو، كندا، لندن وأقطار أخرى) ولنا أن نتمنى عليها متابعة الكتابة، لكي نتأكد ما إذا كان الذي أثّر فينا، جزءاً من موهبة كبيرة في الكتابة، أو أنه فاض بفعل الألم الكبير الذي عاشته وهزمته وحوّلته إلى سعادة.

 محمد