بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 أيار 2021 12:00ص نضال الأشقر لـ «اللواء»: المسرح هو مكان مدني لا طائفي بامتياز منفتح حر

الفنانة نضال الأشقر الفنانة نضال الأشقر
حجم الخط
طرحت الفنانة «نضال الأشقر» مشكلات المجتمع من خلال خشبة المسرح الذي منحته من ذاتها شخصية خاصة احتفظت بها بنكهة راقية وقديرة ممسكة بمفاتيح خشبة المسرح، بمعرفة وقدرة فنية هي هويتها الإنسانية قبل كل شىء والتي استطاعت من خلالها الاحتفاظ بمسرح يحاكي الشعوب عامة، وبقدرة تمثيلية هي ذاكرة لجيل أحبّها وتابعها مسرحيا وتلفزيونيا من «زنوبيا» لـ «شجرة الدر» وصولا الى مسرح المدينة..
ومعها اجريت هذا الحوار:
{ من خلال تجربتكم العريقة في المسرح، ما هي الفلسفة التي خرجت بها من علاقة المسرح أولا بالحياة، ثانيا بالجانب السايكولوجي لشخصيتك... ثالثا بمبدأ الالتزام حصراً؟
- المسرح مدرسة حياة غير موجودة إذا لم يوجد مجتمع وإنسان، المسرح هو مدرسة للإنسان وللمجتمع ولكن بإبداع، وبموهبة بنظرة جديدة للإنسان وللكون. المسرح فعلا هو فن آخر يستمدّ كل قوته من الإبداعات والموهبات والخيال، ولكن يستمدُّ أفكاره من المجتمع والإنسان ويطرح أفكاره على المسرح من العذاب، من الألم، من الحياة، من الطرافة.. ويطرحهم بشكل مبكٍ وأحيانا مضحك. لا يوجد مسرح دون فهم عميق لتاريخنا ولحضارتنا وللغتنا ولإنساننا، لأنهم وجودنا على المسرح، ولماذا يختار الفنان المسرح دون شيء آخر؟ لأنه يؤمن ان هذا المسرح هو مكان يستطيع أي إنسان أن يستمع من خلاله على طروحات الحياة وفلسفة جديدة وأسلوب حياة. المسرح هو مكان مدني لا طائفي بامتياز منفتح حر غير ملزم بأفكار مسبقة. هذا هو المسرح الذي أعرفه وأحبه وهو تفسير عميق للحالة النفسية للمجتمع ونستطيع فهم المشكلات في أي مدينة بالعالم من خلال مسرحها. المسرح باختصار هو طريقة حياة، هو امتداد للحياة، هو نظرة جديدة للحياة والالتزام، هو بوصلة توجّه الإنسان نحو الأفضل، لكي يمتلك الحجة القوية لطرحها على المسرح والتوجّه بها نحو الناس لخلق حياة أفضل.
{ أين تجدين المسرح كمنبر فكري وترفيهي بعد توسّع وسائل الاتصال الحديثة خاصة الإنترنت؟
- المنابر الجديدة على الانترنت وأنواعها كالـ «واتساب» والـ «زوم» وكل ما أخترعه الإنسان للترفيه من جديد، ولا أي وسيلة تستطيع أخذ مكان المسرح، لانه فن آخر، هو فن إنساني موجود في المسرح والصالة ومع الإنسان، وهذا التفاعل والتناغم بين الفنان والمشاهد على المسرح هما العنصر المهم في تكوين الحياة المسرحية المختلفة، الفنان من لحم ودم موجود أمام جمهور من لحم ودم أيضا، وهذا التفاعل والتناغم هو الخيط السحري غير الموجود في أي فن آخر، لذلك يسمّى المسرح بأبو الفنون لأنه المسرح الشامل الذي يجمع الفنان مع المشاهد في مكان ما، في وقت ما، في طروحات ما، لذلك لم يستطع المسرح من خلال آلاف السنين أن يختصره أحد بتلفزيون أو سينما، هو فن آخر فن حي وينطق الآن وغدا والبارحة بالإنسان ومشكلاته ومعاناته.
{ ماذا ترين في المستقبل القريب.. أو البعيد لنوعيات العروض؟ هل ستبقى الكوميديا رائجة وجماهيرية وتكسب تجاريا؟ هل من المحتمل أن يأخذ المسرح الجاد جزءاً من هذه الإمتيازات؟
- لا يستطيع أحد توقع ما سيحدث بعد كورونا وبعد انهيار لبنان الاقتصادي والمعنوي والسياسي والإنساني، بعد دخول لبنان في ممر أسود غير معروف الى أين يصل. ولا نعرف كيف سيكون المسرح بعد هذه الكوارث من المؤكد سيكون مختلفا ومن المؤكد ان الكوميديا ستكون سوداء. الكوميديا الرائجة حاليا ستختلف المواضيع وطريقة إنتاج وإخراج المسرح ستختلف ونظرة الفنانين لمسرحهم ومستقبله. ما من مسرح جاد أو غير جاد بل مسرح جيد وغير وجيد، إذا مسرح جيد يستطيع التعبير عن مشكلة ما تطرح أمامنا على خشبة المسرح وهذا الشيء الذي سنراه بعد الكورونا والأزمة وخلال الأزمة. لهذا لن يشبه أي مسرح من قبل. دائما لسوء الحظ المشكلات والمعاناة والفقر والجوع والخيانة والحب نفس المواضيع، ولكنها تطرح من جديد في لبنان والفنانين من المؤكد سيتناولوها.
{ أي لغة تناسب المسرح الآن: وليم شكسبير الشعرية أو لغة موليير أو لغة برنارد شو الكوميدية الساخرة أو لهجتنا العامية الوسط؟
- اللغة التي تتكلمين عنها في المسرح لغة شكسبير أو موليير أو برنارد شو.. كل واحد منهم ينتمي لمجتمعه بوقت ما واستمروا للآن لأنهم شعراء كبار ودارسين لنهج الإنسان ومشكلاته إنطلاقا من مشكلات بلادهم، لكن أيضا استمروا عندنا لأن مشكلاتهم الإنسانية تشبه كل مشكلات في العالم. لهجتنا حسب مسرحيتنا. إذا كنا نقوم بطقوس إشارات وتحولات بجماليات اللغة العربية الفصحى مثل ما قمت بالطقوس ومزجتها باللغة العامية لأن هذا كان مناسبا، وبمسرحيات أخرى مثل مسرحية «قدام باب السفارة الليل كان طويل» وكتبتها مع عيسى مخلوف عن هجرة الشباب من لبنان كانت بلغة الدارج. فالعاميات تختلف تبعا للشخصية كمزارع في مكان ما لغته العامية تختلف عن لغة شاعر أو كاتب بالعامية. لذلك كل هذه اللهجات مع اللغة الفصحى تأخذ مكانها عند اللزوم تبعا للموضوع الذي نتناوله.
{ ما مستقبل المسرح في نظرك؟
- مستقبل المسرح في لبنان سيكون باهراً، رغم أن هذا الفن بالشكل الذي نقدّمه هو فن جديد على حياتنا في العالم العربي وبشكله الأوروبي وشكل الصالة الإيطالية، بمعنى نجلس في الصالة والمنصة أمامنا، ونحن عندنا مسارح مختلفة مثل الساحة العامة، الحكواتية، الكراكوز.. لكن من المؤكد المسرح سيبقى بأشكال مختلفة لأنه حتى الآن عبر كل السنين ومنذ أول نص مسرحي وجد في بلاد ما بين النهرين وهو العبد والسيد. من زمن الاغريق وطرح مشكلاتهم السياسية من الكتّاب والعباقرة الذين قاموا هم بالتمثيل على خشبة المسرح المفتوح في الساحات قبل أن يختلف في أوروبا وأصبح في الداخل. لا شك ان اهتمام الدولة غير موجود بالمسرح وهذا لم يفقده الاهتمام ولم يمنع الجامعات من الاهتمام به مثل المسرح التثقيفي الترفيهي والتعليمي حتى المسرح الطبي الذي يستخدموه للمعالجة. كل هذا سيستمر ويتطوّر تبعا لتطوّر الإنسان في بلادنا.
{ المسرح العربي ومرآته أمام نفسه، ما الذي تراه منه السيدة نضال الأشقر؟
- بالنسبة للمسرح العربي كلما كثرت الممنوعات والمحظورات كلما اشتدّت الرقابة، وكلما نقصت قيمة المسرح. لأن المسرح هو التعبير الحر والمسرح ينتمي لدولة ومجتمع مدني منفتح وهو الانفتاح والحرية والإنطلاق تبعا للطريقة التي يستخدمها الفنان لإيصالها، وهي التي تمنح الألق في المسرح وحقيقة توجد صعوبة في المسرح في لبنان والعالم العربي لانه توجد الكثير من المحظورات. لكن بعض البلدان بوقت ما مثل تونس وإزالة المحظورات والمخيف والتابو من المجتمع جعلته ينطلق آنذاك كما في مصر في الستينات والسبعينات وفي سوريا. وكل المواضيع يجب أن يتناولها الفنان كمواقفنا ضد العدو الإسرائيلي والتطبيع وضد كل الأمور التي تخفف من مواطنيتنا. غير ذلك كل شيء يجب أن يتناوله الفنان وهذا لم يحدث إلا بإلتفاف وهذا الالتفاف كان له رونقه، بالرغم من عدم استطاعته تناول الكثير من المواضيع المحظورة. لهذا لم يستطع المسرح العربي أن يتفوّق وينطلق في العالم. الكثير من الناس في العالم العربي ظنوا ان تقليد الغرب هو المطلوب بينما المسرح هو ابن بيئته. إذا تألّقنا في بيئتنا وإذا تناولنا مشكلات بيئتنا أصبحنا عالميين. والمسرح ليس وزارة سياحة ليدلّ على الأماكن السياحية والمعالم الجميلة فقط، دور المسرح هو كشف النواقص وكل ما هو مستور بعتمة مثل الفقر في المخيمات والجوع وانخفاض مستوى المعيشة والغلاء، هذا ما يدل عليه المسرح المشكلات في المجتمع وآلام الناس.