بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 كانون الثاني 2022 12:00ص هل اختيار الموسيقى التصويرية في الأعمال الدرامية يقوم على الأسس الحسّية كاملة؟

حجم الخط
يتخذ السمع في العمل الدرامي مرتبة أولى قبل البصر أو الصورة، لأن إلتقاط الحواس له أبعاده التأثيرية. إذ لا يمكننا اليوم قبول أي عمل درامي دون موسيقى ترافقه منذ أن أضيف للسينما الصامتة في بداياتها أصوات البيانو لتكمل بعدها الآلات الأخرى. وهذه من أدق الأمور الحساسة في أي عمل درامي لما للسمع من أهمية في حياة الإنسان، إذ تحمل المفردة الموسيقية قوة المحاكاة، كما انها قادرة على توضيح المشهد السمعي المرتبط أشد الارتباط بالبصري، وهذا ينتج عنه تفاعل أكبر مع المشهد المفتوح على الحواس المنجذبة نحو القصة، وبشكل أكبر البقاء في دوامة الحدث وانتظار الحل بعد عقدة درامية ما، بمجرد سماع النغمة الخاصة بظهور بطل ما أو حدث ما حيث تعود الصورة تلقائيا الى الذهن المستفز للمتابعة. إضافة الى ان الموسيقى بحد ذاتها تحمل نوعا سرياليا أو واقعيا أو حتى فنتازيا مثل موسيقى مسلسل «صانع الأحلام» للموسيقي «فادي مارديني» أو موسيقى مسلسل «عندما تشيخ الذئاب» للموسيقي «طاهر مامللي» وأغنية فيلم «أغنية الجليد والنار» للكاتب «جون مارتن» الذي تابعناه كمسلسل بموسيقى تعبيرية استطاعت فتح المشهد السمعي على البصري بتغيّراته كلها، فاللحن له قدرة على توضيح حتى شخصية الممثل وما الذي سيفعله في المشهد. فكيف إذا تتر البداية الذي قد يرافقنا دائما كلما سمعناه؟ مثل تتر فيلم الوتر للموسيقي الذي اهتم بالربط بين الأختين حتى موسيقيا، وبالوتر الذي تمّت به الجريمة حتى انه استطاع ترجمة المشهد سمعيا من خلال خفض وتيرة اللحن ورفعه، وبما يتناسب مع المؤثرات البصرية التي استخدمها المخرج. إضافة الى مشاعر القلق والاضطراب والفرح والحزن والترقّب أو الانتظار المخيف الذي يشرح المشهد دون تفصيله بشكل أوسع بصريا إذا اكتمل الشرح موسيقيا. فهل اختيار الموسيقى التصويرية في الأعمال الدرامية يقوم على الأسس الحسية كاملة؟ أم انه مجرد تأليف موسيقي عابر للتزيين السمعي فقط؟

يستطيع المؤلف الموسيقي الدرامي إنشاء الجسور بين المنطوق والمسموع، لما للغة الموسيقية في الأعمال الدرامية من أهمية في ترجمة المشاعر العاطفية أو الإجرامية أو المؤثرات الأخرى. وأوجه الشبه بين المشاهد ذات الاتصال الكبير بالموسيقى، وبالاعتماد على دراما الفعل السمعي التي تنقل الأفكار المتخيّلة الى المشاهد، ليستنتج واقعية الحدث الحيوي أو لينهض بالحدث من الخمول المشهدي، ويضعه على الدرجة الأولى من الأهمية. وهذا بات اليوم مصحوبا بالتقدّم التكنولوجي والمعرفة بقيمة المفردة الموسيقية الدرامية القادرة على المحاكاة جنبا الى جنب مع التمثيل، بل في أغلب الأحيان تقوم بالتحليل والشرح، ووفقا لتطوّر العناصر المرئية الدرامية وحاجتها للتعبير عن الخوف أو الفرح أو الترقّب والانتظار أو الانتقال من حالة الى حالة أخرى أقوى أو أضعف، مما يزيد من التلاحم بين المشاهد والممثل أو متابعة العمل الدرامي بحس تخيّلي مستنتج من الموسيقى التصويرية، وقدرتها على إيضاح الفعل بشكل حسّي له جماليته التي يدمنها المشاهد حتى عند سماعه الموسيقى دون مشاهدة درامية، كموسيقى أغنية «تيتانيك» أو موسيقى الفيلم نفسه كمفردات نغمية تمنح التعبير التخيّلي دفعات سمعية أقوى، لتكون فاعلة وتضاعف بقيمة المشهد بشكل أكبر. أي الموسيقى التصويرية في أي مشهد تعكس قيمة المعنى بشكل أكبر عندما يدرك المؤلف الموسيقي قيمة ذلك.

الحركة والسرعة والانتقال من مشهد الى مشهد أو من حالة الى حالة وانتقال الموسيقى كذلك مع هذه الثلاثية، إذ تصبح الموسيقى التصويرية في أي عمل درامي رمزا له، وهي القادرة على تجسيد المعنى بتوأمة تتوافق مع الأفكار الناتجة عن ذلك، وتساعد على جذب المشاهد الى بؤرة الحدث، بل وتدفعه نحو الاستنتاج متخذا من شخصية ما المواقف الموسيقية المؤاتية، لخلق مؤثرات ذهنية تثير الضحك أو البكاء، وتضاعف الأحاسيس عند المشاهد. لذلك تمنح الموسيقى التصويرية قوة للعمل الدرامي، وقد تتسبب بنجاحه أو فشله أو حتى منحه الطابع الإنساني، ونفي الطابع الشرير عنه أو العكس. مما يخلق جوا دراميا مؤثّراً بشكل حميم ويتوافق مع التمثيل والتعبير حتى الصامت منه. فهل الشكل الصوتي للحركة هو أيضا يمثل نوعا من الموسيقى التصويرية المهمة في العمل الدرامي؟

يبلغ البُعد السمعي مداه في العمل الدرامي عندما يصبح المشاهد قادراً على رؤية المشهد سمعيا، بمعنى ان غاب للحظات عن المشهد بصريا يستكمله سمعيا، وهذا يحتاج لدراية أيضا من المشاهد الذي يترجم المرئي بالمسموع، خاصة عندما يتم الربط الموسيقي بشخصية أساسية أو ثانوية، وربما تمنح التوتر أو الاسترخاء لما للشخصية من أسرار يصعب اكتشافها، وكذلك الموسيقى التي تصبح كخلفية له تتماشى معه بموازاة أفعاله، وبتأثيرات تشتد بشكل فعّال سمعيا، مما يفرض على المشاهد الانتباه والمتابعة والإبقاء عليه في حالة تأهّب لأي مفاجأة تتعرض لها الشخصية الدرامية، أي الحفاظ عليه بحالة تشويق مستمرة لتصبح الوقائع السمعية والبصرية كحقائق درامية يعتمد عليها في التحليل وإصدار النتائج المسبقة، مما يثيره ذهنيا ويمنحه الأفكار المختلفة. فهل يمكن تمرير بعض المقاطع الصوتية التي لا معنى لها في العمل الدرامي؟ وهل فعل ذلك الموسيقي في فيلم «تيتانيك»؟ أو مسلسل «صراع العروش»؟

ان لم تترك الموسيقى التصويرية انطباعاتها الخاصة على المشاهد في أي عمل درامي، فهذا يعني انها أخفقت، بل! ولم تحتفظ بأدنى مفردة سمعية في حواس المشاهد. إذ قد تتسبب في الإزعاج أحيانا، والنفور من رؤيته مرئيا، فحرفية الموسيقي تنبع من فهمه لتعزيز شعور المشاهد بلعبة الممثلين أو التماشي معهم دراميا لدعم المواقف المؤثرة في المشهد دون خدش السمع أو إقامة شرخ كبير بين السمعي والبصري في العمل، بل عليه كما قلنا إقامة الجسر المتين بين السمعي والبصري، لتستمتع الحواس بما ترى وتسمع ويحتفظ اللاوعي بالنغمة الخاصة بالعمل الدرامي. فهل تقوم الموسيقى التصويرية بالإرشاد السمعي؟ وهل توقف الموسيقى فجأة في أي مشهد تؤدي الى نقص درامي فيه؟