بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 أيار 2019 12:49ص وطن

حجم الخط
بلادي وان جارت عليّ عزيزة

وأهلي وان ضنّوا عليّ كرام

شعر ذهب مذهب الأمثال عند التطرّق إلى ما يتعلق بالوطن والأوطان.

وإذا ملنا إلى ما يتعلق بذلك في نتاج القرائح لعدّدنا حتى مللنا وان أخذ الأمر مسلك تعدّد المفردات، فالوطن والبلاد والديار وتسميات أخرى كلها تصبُّ في مصب واحد ألا وهو المكان.

وإذا ابتعدنا أو أبعدنا كل ما يتعلق بالرومانسيات والمشاعر واقتربنا أكثر إلى المنطق والمحسوس نصل إلى حقيقة لا ننتبه إليها كل يوم.

حقيقة قالها ذات يوم فيلسوف صيني (المكان هو أهل الإنسان) ومن هنا قد يكون اكتشاف السر الخفي في علاقة الإنسان بالوطن أي وطن.

أليس حقيقة ان الإنسان زائل والمكان باقٍ؟!..

ما الذي دفع إلى هذه الكتابة؟..

قد يكون المأزق الذي يسرح الوطن في رحابه، أو الطريق الشائكة التي يسير عليها في لعبة شدّ الحبال أو السير عليها في سيرك معلوم مجهول لا ينقصه بعض لاعبي «الأكروبات» وهم موجودون بكثرة ومن البراعة بمكان.

توقفت السيارة العمومية التي استقلّها بسبب الزحمة في المنطقة بين محطة الضناوي وتقاطع شارعي مار إلياس والاستقلال..

ودخل السائق الكهل في شروحات سياسية فاجأني بها كونه أكثر حصانة وتحليلاً من بعض العاملين في مجالنا السياسي.

كان توقفنا إلى جانب مبنى قديم شاهق بأعمدة الرخام الرفيعة التي تحمل طبقاته... الزمان فعل فعله فالجدران مثقوبة من أكثر من جانب وبعض العشب نبت على الجدران تأكيداً على ان المكان مهجور.

ظهر وكأنه شاهد على زمن مضى...

دقائق مضت... وإذا بآلة الزمان المزروعة في المخيّلة تعيد الزمان إلى الخلف... وإذا بالحياة تدبُّ في المبنى المهجور..

ضجيج أطفال يلهون ونساء تطهو ورجال يتسامرون وقرقعة أحجار طاولة الزهر تتعالى وما يتبع تنقلها من صراخ انتصار أو احتجاج.

كنت مأخوذاً بمشهد الحياة التي بعثت من المكان العتيق تُكرّس الحياة المستمرة في بقعة هي جزء من وطن... ذهبوا... وبقي المكان رابضاً على قدمه.

- انه الوطن... قال السائق الكهل..

فعلت عيناه فعل الإيقاظ... فعدت إليه..

- انه الوطن أجل... قلت. وهل الوطن إلا أمكنة؟..

الأوطان بمعنى آخر هي الحياة الفعلية والحقيقية..

- انه الوطن... قال الكهل مكرّراً...

- انه الوطن... أجل، المهم أن يبقى سليماً.. قلت..