بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 أيلول 2017 01:01ص «يوميات توتة»: تشكيل مشهدي يفتح الباب لوافدة مسرحية لافتة

«نادين أبو زكي» تخاطب العقل والمخيّلة بلغة الجسد.. وتنجح..

ملصق المسرحية ملصق المسرحية
حجم الخط
ليس جديداً في عالم الفن والنتاج الأدبي عموماً التعامل مع الحيوان أو النبات أو الجماد، وإنطاقه بحكم، وتحميله مواقف، ولكل مخاطب أسلوبه ونطاقه الذي يحلّق فيه.
نحن مثلاً نحب الكاتب والمخرج المتميز «ناجي صوراتي» لأنه يعمل على هذه الموجة بوعي وعمق ووضوح، وقد ضربت الزميلة والكاتبة «نادين أبو زكي» على هذا الوتر في أول أعمالها التأليفية والإخراجية للمسرح «يوميات توتة»، هكذا أرادت العنوان والموضوع لشجرة التوت، ومدّدت جذعاً عملاقاً ملأ بالعرض خلفية خشبة مسرح المدينة على اتساعه، جاعلة إياه محور العمل الذي يقارب الساعة الممتلئة تماماً بالحركة والمعاني والرسائل واللوحات التي حلّ سيّداً أوّل فيها الراقص العاجي «جان بول ميهانسيو»، الذي أدهشنا حتى الصراخ في الصالة برافو مع بداية حركته على الخشبة وكأنه يولد من رحم الشجرة خلفه، لحوالى دقيقتين جعلنا نتسمّر لقدرته على إقناعنا بأنه يخرج من شرنقة إلى ضوء وضوضاء الحياة، لتبرز أهمية الحرفية في العمل المسرحي.
هذه البداية أعطتنا ضوءاً أخضر للتنبه، نعم أول عمل لكنه ليس تجريبياً أبداً وإلاّ لكانت إستعانت بواحد من فنانينا المعروفين بالرقص التعبيري، لكن «ميهانسيو» كان مختلفاً، والحقيقة أنه قابل لعمل خاص به لوحده لكي يمارس سحر الرقص التعبيري على أصوله، بعدما أدخلنا في عالم مضاء على قارعة الدنيا، بكل المعاني الأنيسة، الدافئة، والحميمة، لكن «نادين» جعلت له رفيقة جميلة في مثل طوله تتماهى معه، تنطق بإسم الـ «توتة» التي فوقها وحولها تدور الأحداث، مواجهات بين الحبيبين، أو مناجاة الواحد للآخر، أو حين يتمرّغان فوق الجذع صعوداً وهبوطاً ثم إلتفافاً من دون الوقوع من كثرة الدوران، في صورة متعمقة في معنى الشجر والجذور والأصالة وصولاً إلى حقيقة دامغة تقول بأن الهوى الذي يسعى إليه الجنسان أصوله موجودة كما فروعه في عهدة طرفي العلاقة.
المولود اللاهث لحياة مختلفة، أراد بلوغ حب صادق، فرقص ورقص، وقع وقام، سقط وتمرّغ بالتراب ثم قام، أراد التضحية بكل شيء من أجل أن يرقى إلى روح الحب مستنداً إلى القوة التي منحته إياها الأرض والتوتة والجميلة التي واضبت على التماس مع روحه وجسده أملاً في الفوز بأغلى ما يسعى إليه حبيبان: متعة الروح. هنا والمشاهد في عز تمازجها صوت واحد يقول، يتحدث، إنها «ضنا مخايل» التي كانت أفضل وهي صامتة تتحرك، تخاطب، وتتجاذب أطياف المعاني والصور مع رفيقها العاجي المرن والماهر والمتقد فناً مع طواعية نادرة إلاّ لراقص من الصنف الممتاز. الحوارات التي نطقت بها «ضنا» بدت مصطنعة الأداء، خصوصاً أنها ترافقت مع حركات باليدين والرأس ليست ضرورية لسياق العمل أبداً، وإن كنا مع تقديرنا لجهد «نادين» في وضع النص، إلاّ أن المعنى واصل بقوة من دون الكلام، ما رسمته من صور في السيناريو الموضوع كاف جداً، في وقت لم تتم الإستفادة من الفنانة «رويدا الغالي» إلا تمثيلياً.
المجاميع لم يكونوا زيادة عدد أبداً، ولا هم على عادة الكثيرين من المخرجين يدخلون ويخرجون كأنهم روبوتات لا مشاعر عندهم أو أحاسيس، ويذهب العمل عموماً في أكثر من إتجاه، يبدو كاللوحة التجريدية التي لها ألف معنى ومعنى، لكنها على أي حال تهدف أولاً وأخيراً إلى تعزيز صورة الإنسان فوق هذه الأرض فكلما إحترمها بادلته عناصر صمود من القوة والعنفوان والشجاعة، بما يعني أن الوفاء لها ثمنه جاهز، والبدل يستأهل التضحية.