غداة «شيطنة» دولتنا المصون لتسعيرة الأدوية.. وضربها بأصفار وأعداد عجزت حواسب الجيوب عن حصيها.. وفي ظل التماهي مع مشهدية البنزين والمازوت والدولار والسلع الغذائية.. ناهيك عن أنّ ميزان «المعادلة الصعبة» لا «يطبش» إلا لصالح «الدولة وأزلامها - من كبيرهم لزغيرهم».. لم يعد أمام اللبناني إلا الإيمان الحتمي بأنّ «الدواء لا بُدَّ وأنْ يُحفظ بعيداً عن متناول الفقراء»..
نعم.. لأنّ في الأصل هم عاجزن على الحصول على الأسعار «الآتية من كوكب آخر».. لبعض حبّات من المُسكّن أو دواء مغص للأطفال.. إضافة إلى مرضى الجلطات المُزمنة الذين يحتاجون يومياً إلى مُسيّلات.. كما مرضى الأعصاب الذين حلّقت أرقام أدويتهم كالـAlways «ركّبت جوانح وطارت»..
وعليه أبلغني زميل أجرى جراحة «قسطرة» في القلب.. تبيّن أنّ فؤاده يحتاج إلى دعامتين.. بأنّه بين ليلة وضحاها ومع ارتفاع الدعم عن الدواء والمستلزمات الطبية.. تضاعفت تسعيرة الجراحة مئة في المئة.. وهو في الأصل «عمل مليون واسطة» كي يتمكّن من توفير سعر أي دعامة قد يحتاجها قلبه.. وجواب الأطباء: ما باليد حلية «عجّل»... وكأنّنا في مسلخ أو كرخانة زبائن!!
ليتماهى المشهد أيضاً مع زميلة بحاجة عاجلة إلى جراحة في المعدة.. بسبب الضغط الذي تُسببه السُمنة على قلبها ورئتيها.. وعشيّة الدخول إلى المستشفى أتاها الخبر اليقين.. زادت عمليتك 50%.. والله وحده أعلم كيف تمكّنت من جمع ثمن الجراحة.. بعدما باعت ما كانت تملكه من ذهبت «لا يُسمن ولا يُغني من جوع».. والكثير الكثير من الديون.. حتى تتأمّل بغدٍ أفضل.. وإذ بالأطباء يُنبئونها بالخبر المُشين.. ويخيّرونها بين التأجيل أو الموت.. ففي أي بلد وأي زمن وأي عهد نعيش؟!
فيا ساكن القصر.. ويا قائد سفينة جهنّم.. إليك نوجّه السؤال: «شو بعد بدّو عهدك يعمل فينا؟!.. صرنا Dead Men Walking»..