بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

4 تشرين الثاني 2022 12:00ص أغنياتٌ للنحل

حجم الخط
كان الحبُّ بيننا صغيراً. تكفيه وردةٌ عابرةٌ أو يكفيه موعدٌ من خلْفِ ظَهْرِ الوقت. وكان الموجُ يسابِقهُ إلى الملْح، والنوارسُ كانت تجرُّ أحلامَه الطريّةَ فوقَ صفْحَةِ القلْب. لا شيء كان يُعكّرُ صفوَ يديْنا. وأقسمْنا بالحبِّ كثيراً، أقسمْنا على الحبِّ طويلاً. ورميْنا في البحر أغانينَا المبلّلةِ، وقُلْنا للغيْم: خُذْنَا بُخاراً دائماً لعينيْك! وتذكّرتُ مَقْعَداً خَطفَ أنفاسَنا القليلةَ بين الحوْر والسنديان. وكنتِ تكبُرينَ كشجرةِ توتٍ على كتفيَّ الناهضيْن. أنامُ في فيْئِكِ الوارف، وأقلِّبُ أيّاميَ كيفمَا أشاءُ، على هديلِ غابةٍ فردَتْ حمامَها الأخضرَ في دمي. وكنا نُلقي وجوهَنا إلى البئر ولا نخشى على أسمائنا من الصَّدى. وكان الليلُ جسراً يمشي عليه حفيفُ جناحينا المتعبيْن. وأراكِ تُكحّلينَ شبّاكيَ بخُصَلٍ من ابتساماتِكِ السمراء، وتزيحينَ عنّي جدران البكاء الأزرق. ولم يُعضلْنا الحبُّ في الكلام أو في الصمت. والحَجَلُ الصخريّ كان يُطيِّرُ أيّامنا ريشاً من أُمنيات. وكنا لا نسألُ عن غدٍ يفلِتُ من أعيننِا مثل غمضةٍ في المساء أو جفْلةٍ في الحُلُم. وكنتِ تخوضين فيَّ همساً كالصفصاف، وأخوضُ فيك جهراً  كالنّهر. ولم يكنْ لنا غيرُ الذكريات ناياً يُهيّئ الخشبَ لحُمَّى ألحاننا الوحشيّة. وكان الشتاءُ صورتَنا الشهيّةَ في الماء والوحْل، ونقرَ العصافير على زجاج ضحكاتنا الغريقة، تتكسّرُ كشفاهٍ بريّةِ الخُطىَ، فوق رخامِ القُبلات. والمدىَ يصيرُ عرساً لأصواتنا المفتونة بالكائنات، توقظُ في الحجَر أرواحاً منسيّة. وكنا لا نعرف أيُّ الحكاياتِ تجرحُنا، وأيُّ النهايات تقْطُفنا. وكنا نسيرُ على رؤوس الشوْكِ في دروب ضيّقة كالفرح؛ كأننا قطنٌ خفيفُ الظلّ. وكنتُ إذا عُدْتُ إلى حزنٍ واسع العينيْن ينتظرُني، أفتحُ صدري لاحتمالات الخيال، وأقولُ: أيّها الحزنُ انتظرني! وكنتُ أُسمِعُكِ كلاماً يفيضُ عن المؤقّتِ في روحي، وأغنياتٍ للنحْلِ في جسمي، وبعضَ أبياتٍ من أوراقِ الشجر. ولم نكنْ نسألُ عنّا المرايا خلفَ الحقول، ولا القمرَ إذا ما اعشوشبَ ضوؤهُ بين فضّةِ يديْنا. كم كان الحبُّ صغيراً بيننا، تكفيه وردةٌ زائرة، وموعدٌ لا يأتي.
أخبار ذات صلة