رفعتُ هاتفي الجوال وطلبتُ رقم سائق قادمٍ من «الشقيقة».. مستفسراً عن موعد وصوله.. لأنّ أنسباء لي أرسلوا بعضاً من الأدوية المفقودة في بلدي من أجل والدتي.. وإذ بي أتفاجأ بنبرة «التمنين» على الجهة التالية للهاتف.. يطلب أنْ ألقاه حيث يُريد وفي الموعد الذي يُناسبه.. «ربّحني جميلة» بأنّه يحمل الدواء وأسمعني ما لا يُرضي الخاطر.. بأسلوب دس السُم في العسل.. والتهكّم والتنمّر والاستهتار بالحال..
ارتفعت مُعدّلات الأدرينالين في خلايا جسدي.. و»العايز الكلب بقول له يا سيدي».. فكظمت غيظي وصمتت محاولاً أنْ أُظهر نبرة صوت فيها من المُزاح قدر المُستطاع.. إلى أنْ ألقاه وآخذ مبتغاي من الدواء.. وبالفعل هو ما كان.. وعلى الرغم من أنّني معروف بكُرهي لكل متنمّر.. وعنصري ومتنقدٍ لعاهات تستحق الانتقاد والانتقاص أحياناً من قدرها وقيمتها..
ولكن في هذه الحالة.. فعلاً شعرتُ بجمال أنْ تكون عنصرياً.. وأنْ تنسى مبدأ «العفو عند المقدرة» وأنْ تتلذّذ بمعنى الانتقام.. وما أنْ التقيتيه وأصبح مخزون الدواء بين يدي.. حتى ارتفعت نبرة صوتي متجاوزة غزارة الامطار المنهمرة.. قائلاً: «إنتَ ما بتستحي تغلط بالحكي.. ولك ما إنت كلك على بعضك شقفة «نازح».. كلك على بعضك متسوّل عم تستغل «الأمم المتحدة».. وعم تسرق بلدك وعم تسرق الناس ومبسوط بحالك.. إنتَ طلعت أو نزلت ضيف احترم اللي مستضيفينك ببلدهم»..
انتفض وزمجر وراح يكيل السُباب والشتائم لبلدي.. فتحلّق حولنا الناس الذين هالهم ما يرمينا به من شتائم.. وهو «قاعد بحضنّا وعم ينتف بدقنّا» وقد أوشكوا على ضربه.. وإذ بعنصر من القوى الأمنية يعبر الطريق ويسأل عمّا يجري.. فراح السائق يتلعثم ويتمتم والعرق من جبينه بلد المطر يتصبّب.. لكن بكل لطافة فضَّ الدركي التجمّع.. وليست للتتمة صلة لأنّ الاعتذار «مُرغماً» كان سيد الأحكام!!!